المتابع للساحة الإنشادية يلاحظ أن هناك عددًا من المنشدين الذين دخلوا هذا المجال وسرعان ما تركوه، مما دفع البعض للتساؤل عن الأسباب الحقيقية في ترك بعض المنشدين لهذا المجال، فهل هي الواسطة في الحصول على تصاريح لبعض المنشدين أو الفرق الإنشادية، أم أنه من الصعوبة إطلاق عليهم لقب منشدين بل مجربين، أم عدم حصولهم على الدعم الكافي سواء المادي أو المعنوي ساهم في تركهم للمجال وكذلك عدم وجود مؤسسات تكفل حقهم كاملًُا، “الرسالة” حاولت عرض هذا الموضوع على أصحاب هذا المجال من منشدين باقين وكذلك معتزلون ورؤساء بعض الفرق لمعرفة الأسباب. عدم التفرغ بداية يقول الأستاذ محمد نحاس الذي جرب الإنشاد من قبل: هناك بعض الأسباب في ترك المنشد للمجال منها المادي والمعنوي وعدم تفرغ البعض للإنشاد وكذلك قلة الدعم والبعض قد يتجه للغناء، وأهم الأسباب قلة الدعم الذي يجده الإنشاد مقارنة بالغناء، كما أن هناك أسبابًا معنوية أخرى، فهناك شركات غنائية تقوم بتوقيع عقود احتكار للمغنين وهذه العقود يمكن أن تكفل للمغني حياته ولا يكون العائق المادي سببًا في توقفه، وفي المقابل لا نجد هذا الأسلوب في الساحة الإنشادية، ومع أن هناك شركات توزيع عالمية إلا أنها تحاول الحصول على الأعمال بأقل الأسعار، مما يسبب ضررًا ماديًا ومعنويًا على المنشد مما قد يدفعه للابتعاد عن المجال لفترة تكون في بعض الأحيان طويلة. وأضاف نحَّاس: هناك سبب معنوي يكمن في محاربة المنشدين من جهات لا تريد انتشار هذا الفن، مما يسبب عدم منح تصاريح للألبومات بسبب العناوين أو المضمون، وهو ما يجعل المنشد يبحث عن “واسطة” لاستخراج تصريح لألبومه بعد جهد معنوي كبير؛ وقال: قلة المهرجانات الإنشادية وضعف إخراجها فنيًا مقارنة بالمجال الغنائي يدفعان المنشدين إلى ترك المجال أو التوجه للمجال المنافس، إضافة لتسرب بعض الألبومات بمواقع الإنترنت مما يؤثر في جودة العمل فنيًا وتوزيعها ويؤثر في العمل بشكل سلبي. وأوضح نحاس أن هؤلاء المنشدين بعد أن يهجروا هذا المجال يشعرون براحة نفسية كبيرة، لكن في الوقت ذاته تكون النقطة السلبية هي اتجاه بعضهم للغناء. وقال: أطالب المهتمين بالإنشاد إن أرادوا الحفاظ على المنشدين بأن يقوموا بتوقيع عقود مع شركات بمبالغ تضمن للمنشد حياته الخاصة، على أن يكون تنفيذ الألبومات على حساب تلك الشركات، فمما لا يخفى أن بعض المنشدين الرائعين ابتعدوا عن هذا المجال وأصبحوا قليلي الظهور والسبب عدم تفرغهم أو حصولهم على مقابل مادي يكفيهم. واختتم نحاس بالقول: الساحة الإنشادية الحالية تعاني من ركود شديد جدًَا، ولا يمكن تفادي هذا الأمر إلا بتعاون شركات الإنتاج، ولا بد كذلك من تنسيق أوقات طرح الألبومات، ففي بعض الأوقات يلاحظ المتابع للمجال طرح عدد كبير من الألبومات، وفي أوقات أخرى لا نجدها إلا نادرًا في الوقت الذي يتعطش فيه المتابعون لسماع الجديد. ليسوا منشدين أما عضو فرقة ليالي الشام المنشد بشار الشريقي فقد أوضح أن الساحة الإنشادية مزدهرة وأصبحت منافسة لنظيرتها الغنائية وأصبحت تتطور كل يوم أكثر من سابقه، وقال: صحيح أننا نلاحظ في الفترة الأخيرة اعتزال نسبة من المنشدين وتركهم المجال ولكن هؤلاء لا يمكن إطلاق لقب منشدين عليهم، فهؤلاء أدوا تجربة في هذا المجال إلا أنهم ليسوا منشدين بالمعنى المعروف للتسمية. ونوه الشريقي إلى أن من دخل هذا المجال وتركه ربما يكون دخوله إليه قد تم عن طريق الصدفة أو بمعرفته الشخصية بإحدى الفرق الإنشادية ونجدهم قد أدوا تجربة شخصية فقط مع عدم الرغبة الجادة في دخول هذا المجال من الأساس، وإن كان البعض قد رغب فنجده لم يأخذ راحته بالكامل، ولم يعثر على الجانب المادي الذي يرجوه، ولهذا سرعان ما نجدهم يدخلون للمجال ويتركونه لعدم عثورهم على مطالبهم التي غالبًا ما تقف المادة على رأسها. وطالب الشريقي جميع الفرق الإنشادية بالحزم وعدم اختيار أي منشد إلا بعد التأكد من جديته وكفاءته وذلك للحفاظ على سمعة الفرقة نفسها، وكذلك على قائد الفرقة عند إدخال أي شخص لفرقته أن يكون ذا كفاءة وألا يظهر أسرار الفرقة ويسرب أخبارها. رعاية المنشدين من جانبه أوضح الناقد والمخرج المسرحي الأستاذ منصور الحارثي أن هروب بعض المنشدين بات ملاحظًا في هذه الأيام بشكل يجعل منه مشكلة حقيقة تواجه الفن الإنشادي الذي ما زال إلى الآن يبحث عن ذاته، وقال: من أهم الأسباب العائد المالي وكذلك عدم حفظ الحقوق، وربما يستسلم المنشد أمام مثل هذه الصعوبات فيرحل عن المجال تاركًا خلفه مشروعًا لو تم لأضاف إلى المجال الشيء الكثير، وربما نكون أمام منشد في الأساس لا يملك الموهبة الكافية فحينما يستعد للانتشار يجد نفسه في غير مكانه فيقرر الرحيل. لكن عمومًا أرى أن المنشد إن قرر الانسحاب فهو غير جدير بأن يكون شخصية إنشادية اعتبارية في المستقبل، لأن الانسحاب من المواجهة هو نقص في صفات المبدع الذي يجب أن يحاول ويسلك شتى الطرق ليعلن عن نفسه وسط هذا الزخم. وأضاف الحارثي: لو أردنا في المستقبل القريب التمسك ببعض المنشدين المبدعين فإن هذا الأمر يعود إلى الشركات الفنية وقدرتها على استقطاب الفنان المبدع ودعمه من خلال الإصدارات وتبنيه إعلاميًا وتبني مشروعه الفني، وكذلك محاولة تثقيف المنشد ثقافة إعلامية تعينه على رسم خطته الإعلامية بشكل صحيح. دور القنوات التلفزيونية المعنية بالفن الإسلامي لتبني مثل هذه المواهب وتقدمها للجمهور بالشكل الصحيح، وأرى أنه لا توجد إلى الآن سوى قناة واحدة فقط خدمت النشيد الإسلامي وقدمته كما ينبغي وهي قناة فور شباب، ولكن بقية القنوات تلجأ للإنشاد لملء الفراغ أو أنها تقدم المنشد بشكل يضعف من موهبته أو يلغيها تمامًا. ومضى الحارثي قائلًا: الساحة الإنشادية ما زالت في عز قوتها، ولكنها امتلأت بالغث الذي لا قيمة له، ففي كل يوم تصلنا على صفحات الفيس بوك أو عبر المنتديات أناشيد كثيرة، وهي باعتقادي من صرف الناس عن النشيد، ولعل تدني الذوق العام جعل من يملك ذوقًا عاليًا يهجر الساحة، فامتلاء الساحة بمثل هذه الأناشيد صرف الناس عن الفن الراقي الذي لا بد أن نعيده ونطلقه إلى المتلقين في كل مكان كممثل رسمي للنشيد وللفن الإسلامي. قرار صائب من جانبه أوضح عضو فرقة (إشراقة) الإنشادية المنشد عبدالسلام الوابلي أن الأسباب الحقيقية لترك بعض المنشدين هذا المجال كثيرة ويحدد أبرزها بقوله: أرى أن المجال الإنشادي أو الفني المحافظ يعاني من عدم الاحترافية مع قلة المؤسسات المنتجة والشركات التي تتبنى المنشدين، فلو كان هناك من يتبنى المنشدين وأعمالهم لما كان الوضع كما هو عليه الآن، والوضع الحالي هو أن المنشد يحاول أن يدعم نفسه بنفسه وفي كثير من الأحيان يتعرض للخسارة المادية فمن الطبيعي أن نلاحظ بعد فترة من الزمان عزوفه عن المجال وقلة أعماله في غياب الداعم. ووصف الوابلي قرار بعض المنشدين بترك الساحة الإنشادية بأنه قرار صائب في حال عدم تفرغه وأنه من المؤيدين لفكرة ترك المجال إذا كان المنشد غير متفرغ للفن لأنه لن يجني منه شيئًا وبنفس الوقت أموره الشخصية أولى من الإنشاد ولا توجد سلبيات تذكر بالنسبة له. وقال: أطالب جميع الغيورين على هذا المجال إن أرادوا النهوض والارتقاء به بالتمسك بالمنشدين وإعطائهم حقهم في الظهور إعلاميًا وإلكترونيًا ليحصل المنشد على الشهرة وتصبح مسؤولية عليه ويصعب عليه ترك المجال بعد معرفته لحقوقه وأخذ حقه كاملًا. وفي حالة عدم معرفة المنشد لحقه وكان ذا شهرة محدودة وقصيرة لا تتعدى نطاقًا معينًا فهنا سنجده يترك المجال بيسر وسهولة والبعض منهم قد يتجه للمجال الغنائي إن وجد من ينتج له ألبوماته. واستدرك الوابلي قائلًا: من الصعب إطلاق كلمة “ركود” على المجال الإنشادي ولكنه مثل “الأسهم” نجده يرتفع في بعض الأحيان ويصل لعز قوته وطاقته ونجده أحيانًا ينزل لأدنى المستويات، وباعتقادي أن هذا الأمر يعود للمنشدين أنفسهم ومتى ما توفر الدعم ووجدت الاحترافية من قبل المؤسسات سنجد الساحة الفنية مزدهرة وتزخر بالأعمال.