بعد ثمانية أشهر من جلسات التحقيق، أصدر القاضي البريطاني براين ليفسون تقريره حول أخلاقيات ومعايير الصحافة، ودعا في تقريره الى انشاء هيئة مستقلة لمراقبة الصحافة لمنع تكرار التجاوزات التي حدثت خلال فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية التي ارتكبتها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» News of the World، المملوكة لقطب الإعلام روبرت موردوخ ضد عدد من المواطنين البريطانيين والشخصيات المعروفة. ورغم أنه صدر حكم قضائي بإغلاق الصحيفة بعد 168 عاما من الصدور، إلا أن تداعيات ما قامت به الصحيفة لم يطل صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» وحدها بل يتوقع أن يكون سبباً في إجراء تغييرات هامة، تخص عمل وسائل الإعلام في بريطانيا. *** تقرير القاضي البريطاني أشار إلى ان الهيئة الجديدة لا يجب أن تكون خاضعة بأي حال من الاحوال لرقابة البرلمان. لكن التقرير فتح الباب أمام تفسيرات متعددة حول علاقة الصحافة بالحكومة من جهة، وحرية الصحافة في تناول قضايا يدور النقاش حولها، أو تمس أشخاصاً مما يضر بتلك القضايا والأشخاص . موقف الحكومة، حتى الآن، هو كما قال رئيسها ديفيد كاميرون، معارضة سن قانون لتنظيم الصحافة. لكنها توافق الاتجاه العام بضرورة تحقيق الانضباط. لذا قد تمثل توصيات ليفنسون معضلة عسيرة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي وقع بين مطرقة فرض الدولة لضوابط جديدة على مهنة الصحافة وما قد يعتري ذلك من اتهامات بتقويض حرية الاعلام وبين تجاهل توصيات اللجنة التي أمر بتشكيلها بنفسه في وقت سابق. وكانت مجموعة تضم 80 من أعضاء البرلمان البريطاني من أحزاب مختلفة، قد طلبت من "ليفسون" أن لا يضمن تقريره توصية بإصدار قانون لتنظيم الصحافة، لأن هذا سيؤدي إلى الإضرار بحرية الصحافة، وطالبوا باستمرار التنظيم الذاتي المتبع حالياً. *** لقد مثلت الصحافة والإعلام قوة كبيرة ونفوذاً متصاعداً على السياسيين البريطانيين. وتحولت صحف مردوخ في أعين السياسيين البريطانيين إلى مقصد لا غنى عنه لاكتساب القوة. وقد انعكس نفوذهم على مدى قوة اتصالاتهم الشخصية بإدارة «نيوز أوف ذي وورلد». وهكذا فإن تحقيق القاضي ليفسون خرج من مجرد كونه تحقيقاً في مخالفات وتجاوزات وممارسات خاطئة قامت بها هذه الصحيفة وامتد لتحديد معالم العلاقات بين الصحافيين وأعضاء مجلس النواب وبين الصحافيين والقادة السياسيين. والآن تجد الصحافة البريطانية نفسها في مأزق. ومالم تبادر صاحبة الجلالة البريطانية بمشروع للإصلاح الذاتي , فإنها تواجه سيف الإصلاح بقوة القانون. نافذة صغيرة: [إن القضية أخلاقية بالدرجة الاولى، لأنها واحدة من أعقد المشكلات الأخلاقية التى تواجه العالم والمتعلقة بمنظومة القيم الحالية. وهي مشكلة لا حل لها وليس لها أي انعكاس على أرض الواقع ، وتبقى المسألة الاساسية هي: من يحمينا من ذواتنا؟] ابراهيم العريس - ناقد سينمائي لبناني [email protected]. [email protected]