عنوان هذا المقال مقتبس بالكامل ، فهو ذات العنوان الذي اختاره الاديب الرحل د. يوسف إدريس لمقال له كان يشرّح فيه المجتمع المصري بمبضع الجراح، نظرية يوسف ادريس – وهى حقيقية وواقعية جدا- تقول ان اطراف الخناقة المصرية ثلاثة،طرفان يتصارعان، وطرف ثالث يسعى للوساطة بينهما، ويكاد يتصور د. إدريس أن الخناقة لا تبدأ إلا إذا تأكد الطرفان المتصارعان، من وجود هذا الطرف الثالث، أو على الأقل إمكانية حضوره أو استدعائه إذا لزم الأمر. هذا بالضبط ما حدث في خناقة غزة التي انتهت أمس الأول باتفاق لوقف إطلاق النار رعته مصر، فالطرف الإسرائيلي كان يفتش قبل بداية العملية، التي حملت عنوان «عامود السحاب» عن طرف ثالث يتدخل لإنهاء العملية، وبعد ساعات من بدايتها شهدت اغتيالاً مأساوياً لأحمد الجعبري «رئيس أركان حماس»، نقلته قنوات التلفزة الاسرائيلية، كعمل عسكري- استخباري استعراضي رفيع المستوى، بدا بعده أن الإسرائيليين يريدون الاكتفاء بهذا القدر، وبدا أنهم يترقبون صاحب مساع خيرة يتدخل لإنهاء القتال، وهو ما كشف عنه رؤوبين بدهتسور بصحيفة هار آرتس الاسرائيلية، حين تساءل بدهشة عما اذا كان نتانياهو وباراك قد خططا ل «تفخيم شأن» الرئيس المصري محمد مرسي، مشيرا الى أن «هذا بالضبط ما حدث، بعدما أصبحت إسرائيل متعلقة بالإرادة الخيرة للرئيس مرسي الذي أصبح الأمل الوحيد لإحراز اتفاق لوقف إطلاق النار. هكذا بدا منذ البداية، أن اسرائيل تريد ان يكون الرئيس المصري المنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، هو الوسيط الرئيسي وربما الوحيد لاحراز اتفاق لوقف اطلاق النار مع حكومة حماس في غزة.. لماذا؟! يرصد إسرائيليون وأمريكيون أسبابا عدة لهذا الخيار من بينها: *استثمار المكسب الحقيقي -الوحيد بنظر إسرائيل- من وصول الإخوان إلى حكم مصر، بدمجهم ضمن أدوار إقليمية تستوعبهم في إطار رؤية للتعايش العربي- الإسرائيلي، يتحولون معه من مجرد وريث لمعاهدة سلام ابرمها نظام سابق في عهد السادات إلى شريك حقيقي في حماية إرث تلك المعاهدة والبناء فوقه. * استثمار تبعية حماس «الفرع» لجماعة الاخوان المسلمين الأم في مصر، من اجل تحويل دفة الحوار مستقبلاً، لتصبح الجماعة - بأصلها في مصر أو بفرعها في غزة - ضامنة للاتفاقات ومسؤولة عنها. * إقامة شراكة مصرية – إسرائيلية عبر حماس، توفر ضمانات اضافية لأمن اسرائيل توقيا من عمليات تستهدفها سواء من غزة او من سيناء. * استثمار الثقل التنظيمي والتأثير المعنوي لجماعة الإخوان المسلمين، في لجم تفاعلات اقليمية أو التاثير فيها على نحو موات لمصالح غربية، تريد أن ترى حماس ضمن معسكر سني، بعيدا عن طهران التي احتفلت مع الحمساويين بسقوط صواريخ فجر خمسة الإيرانية الصنع فوق تل ابيب. وهكذا ..كانت اسرائيل تتطلع الى مخلص يتيح لها الخروج الآمن من مستنقع غزة بأقل كلفة، وبينما كانت محركات دباباتها تهدر على حدود غزة ترقبا لأوامر باجتياح بري، كانت نخبتها السياسية تسعى بدأب لتجنب هذا الهجوم، الذي قد يعرض اسرائيل لضغوط دولية لا قبل لها بها. حماس ايضا كانت تتطلع الى مخلص، وكانت ترى في الرئيس مرسي فرصة نموذجية للقيام بالدور، فهو - من وجهة نظرها- سيعمل لتوفير اكثر الضمانات لخروجها فائزة او بأقل الخسائر، ولهذا اتجه تحرك حماس فور بداية العملية الاسرائيلية الى مصر، وهكذا ارادت اسرائيل ان يكون الرئيس المصري هو الوسيط المسيطر، واختارته حماس منذ البداية ايضاَ، أما الرئيس المصري فقد استهل تعامله مع الأزمة بإشارات رمزية مثل سحب السفير، وارسال رئيس حكومته لزيارة غزة ، والدعوة الى اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، واللافت أن اسرائيل تعاملت مع الخطوات المصرية بتفهم غريب، عكسته تصريحات رئيسها شيمون بيريز، الذي بدا مبهورا بموقف الرئيس المصري وقال لضيفه توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق» توجد عدة مفاجآت منها موقف محمد مرسي، فلم أكن اتوقع حقاً أن يحاول أداء دور في تخفيف التوتر.. أما تسفي برئيل الذي رصد دهشة بيريز فقال في صحيفة ها ارتس: لم يعد مرسي الكارثة التي وقعت على الشرق الاوسط ولم يعد رمز «الشتاء الاسلامي» انه صديقنا القريب الذي يذكرنا فجأة بمصر التي تعودنا عليها في السابق».!!. لكن مرسي لم يكن يعمل لحساب اسرائيل ولا لمصلحة أمريكا وانما استطاع وفريق العمل معه، أن يرصد مصلحة مصر في اللحظة الراهنة، وأن يتفاعل معها بما يحقق مصلحة بلاده واستقرار حكمه. [email protected]