سباق محموم بين الجامعات للحصول على الاعتماد الأكاديمي المحلي عبر الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، ثم العالمي، وهي الأهم. ومبلغ الآمال وفق معايير وضعت من قبل هذه الهيئات الأمريكية بالتحديد. وهنا نتوقف قليلاً لنقول: إن الجودة تعني في حقيقتها تقوى الله تعالى التي تستدعي وترسخ الإخلاص والإتباع، إن الجودة تعني أداء الأمانة الملقاة على عاتق كل مسؤول مهما كان حجم عمله، وقد ذكرها الله تعالى لنا في قوله: (واتقوا الله ويعلمكم الله)، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته). متفق عليه وهنا أتساءل: ما الحاجة الماسّة إلى شركات أو هيئات غير وطنية تعتمدنا كجامعات ذات جودة أو تضع لنا معاييرها؟! إن من لديه رصيد لا ينفد للتقوى ومراقبة الله من خلال تربية النفوس على ذلك، واستخراج معايير عالمية له لا يحتاج أن يمد يده لغيره. إن الوحي المحفوظ بحفظ الله تعالى، وسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وكبار قادتنا، وعلمائنا، ومراحل القوة في تاريخنا الإسلامي تقدم للعالم أجمع أقوى معايير الجودة والتقويم والإصلاح والبناء الراسخ. ومن معايير الجودة في التعليم بشقيه العام والعالي: 1- السمت الظاهر المطابق للمكان الذي نعمل فيه، فالجودة تعني التطابق بين القول والعمل، وهي من المسائل الأربع التي يجب على المسلم تعلمها. فالعلم، ثم العمل، فكيف تكون الجودة، ومظهر الأستاذ والمعلم من الجنسين ثيابًا وحجابًا يخالف أسس نشأة الوزارة التي يتبع لها؟! إن معايير الجودة في كل مكان تشمل أكبر مسؤول فيه حتى الأدنى فالأدنى، فحتى حارس الأمن في الخارج، وحتى حارسة الأمن في الداخل، بل حتى عمال النظافة والمراسلين، فضلاً عن طاقم السكرتارية، وصولاً إلى رأس الهرم. الجميع يجب أن يكون مناسبًا للمكان الذي يشغله في التعليم. فكيف نصل للاعتماد المطلوب وهو القبول الرباني لنا ونحن نختار الموظفين الذين قد لا يناسبون المكان الذي وضعوا فيه؟ فحارس أمن في ريعان شبابه على بوابة مؤسسة تعليمية تخرج وتدخل لها النساء كاسيات عاريات، بثياب ضيّقة ومفتوحة، وحجاب يكشف ولا يستر، فكيف نأمنه على نفسه الضعيفة؟ فضلا عن قيامه بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! وكذا عضو التدريس النسائي التي يخالف مظهرها دورها التربوي من ملابس مفتوحة من جانب، أو ضيقة، أو حجاب متبرج، ثم تطالب الطالبات بالالتزام بنظام الجامعة؟! وكذا عاملة، أو عامل النظافة الذي يستنزف بدنيًّا بلا مردود مادي، يُصرف له شهريًّا بل متأخرًا، ثم يجد نفسه يعين شياطين الإنس على باطلهم؟ وهكذا تأمل حال البقية. 2- سمعنا الكثير عن أنظمة وأسس الاعتماد الأكاديمي لنجد أنفسنا أمام فقر مدقع في أساسيات وأبجديات المؤهلات المعتمدة للمباني والأجهزة والحوافز. 3- وكذا نجد أنفسنا أمام ركام متراكم في النفوس والعقول عنوانه "لا تضيقوا على الطلبة"، والنجاح السريع، ويجب احتواء الطلبة والطالبات خاصة في الدرجات، فيأتي الطالب من مراحل التعليم العام وهو رافض في الغالب للجو الجامعي المطلوب، فتكون النتيجة "سندويتشات المذكرات" المباعة في دكاكين الطباعة بجوار الجامعات. 4- الاعتماد الأكاديمي يعني وضع معايير علماء الأمة الإسلامية الذين ثنوا الركب في حلقات العلم سنوات طوالاً، فمن خلال سيرتهم نحصد ثوابت النبوغ والتميّز وهو هدف الاعتماد الأكاديمي. وليس قتل الإبداع وهنا يحضرني ما حدث لي بعد تخرجي من قسم الدعوة وأصول الدين لمرحلة البكالوريوس، فقد كتبت خطابًا للقسم، وقعت عليه ثلة من المتحمسات خلاصته أننا كمتخرجات من قسم الدعوة لم نحصل على مرادنا الذي يؤهلنا للدعوة؛ لذا نطالب بدراسة جديدة نتعلم من خلالها اللغة الإنجليزية مع اللغة العربية والقرآن وحذق الخطابة. والنتيجة.. لم يرد أحد لا سلبًا ولا إيجابًا. ربما اعتبرونا مجنونات. 5- الاعتماد الأكاديمي إذا اعتمد على التسوّل من غيرنا الأسس والمناهج، فقطعًا لن نكون أغنياء. فالمتسوّل لا يغتني أبدًا، وإن ظهر أمام الآخرين أنه ليس فقيرًا. صدقوني الواجب نحن من نقدم لعالم أجمع أنظمة متكاملة للقوة والبسطة في العلم. 6- الاعتماد الأكاديمي يعني وضع هيئة عليا له مهمتها رصد كل تجارب السلف ودمجها وإسقاطها على الواقع المعاصر، ثم استخلاص أنظمة ومعايير تطبق على عدد من الجامعات لتبرز النتائج بسلبياتها وإيجابياتها، ثم تعمم على الجميع بعد غربلة مخرجاتها، وهذه الهيئة تتواصل مع التعليم بشقيه العام والعالي حتى نسير في خط واحد. 7- الاعتماد الأكاديمي يجب أن يشمل كل منفذ للتعليم من رياض الأطفال حتى المعاهد المهنية، ومراكز التعليم الأهلية على وجه الخصوص التي تفتح ذراعيها لجذب المتقدمين، ثم تقذف بهم بلا رصيد قوي من العلم غالبا لنصل إلى أماكن مفتوحة لاستيعاب كل الطلبة بما سخره الله لهم من قدرات. 8- الاعتماد الأكاديمي يعني النظرة المستقبلية للبلاد لسنوات طويلة جدًّا. فلا نعاني من تكدس الطلاب ولا مقاعد لهم أو في فصول مختنقة، وقلة الوظائف، والتركيز على جنس النساء على حساب الرجال، وتبعات كل ذلك من اهتزاز البنية الاجتماعية وما تجتره من آثار أخلاقية واقتصادية، وقبل ذلك دينية. وأخيرًا الاعتماد الأكاديمي هو أن نقول للعالم أجمع: نحن أمة أعزها الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله بأن أفقرنا، وشتت تفكيرنا، وأصد قلوبنا. فاللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، فنهلك يا أرحم الراحمين. * أستاذ مشارك بجامعة أم القرى