تشتعل المنطقة بالاحتمالات، وتتصاعد النذر بمواجهة عسكرية في الخليج على خلفية البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل والقلق معًا، فيما ينهمك المحللون والباحثون في استقصاء الخلفيات، وتحري المآلات، لخطط طهران النووية من جهة، ولخطط الولاياتالمتحدة وإسرائيل -بشكل أساسي- للتعامل مع تهديد نووي إيراني محتمل من جهة أخرى. ولأن التحديات أكبر من أن تكتفي برصدها الصحف، فإن جهدًا باتجاه كشف حجمها وتقصي خلفياتها وتحري مآلاتها، يستحق المتابعة والرصد، وهذا ما نحاوله هنا في عرضنا لأحدث كتاب صدر في الغرب - قبل أيام فقط - حول إمكانيات احتواء التهديد الإيراني، ومآلاته. في شرحه للخيارات السياسية لإيران النووية، يرى المؤلف أن إيران تصوغ قراراتها النووية طبقًا لبيئة التهديد الخارجي، وللقدرات التقنية للدولة، لذا فإن النقاش حول هذا الأمر يمكن أن يتمحور حور نقطتين رئيسيتين: العامل التقني والعامل المادي الذي يحدد أي النتائج النووية التي يمكن تحقيقها، حيث يلاحظ أن القيود التقنية هي الأقل أهمية. وتتأثر صناعة القرار النووي في إيران بعاملين يتعلق أحدهما بالآخر: معتقدات وتفضيلات النخب الإيرانية، والتأثير النسبي لهذه النخب على العملية السياسية. والواقع أن البيئة الأمنية الخارجية، هي والإمكانات التقنية، والمصادر، والسياسات الداخلية، كلها عوامل تتفاعل بعضها مع بعض لصياغة سياسة إيران النووية، وحيث تبدو العلاقة بين هذه المتغيرات على درجة كبيرة من التعقيد، كما أنه من الصعب التنبؤ بها، خاصة في حالة دولة كإيران توصف عملية صنع القرار فيها بالغموض والضبابية. قيود على السياسة الأمريكية يقصد بالقيود هنا العوامل الخارجية التي يضعها صناع القرار السياسي الأمريكي في الاعتبار عند التطرق إلى الموضوع النووي. فالولاياتالمتحدة كقوة مهيمنة على العالم لديها مجموعة كبيرة من المصالح التي ينبغي دائمًا الالتفات إليها عند وضع سياستها الخارجية، وهو ما يتضح بوجه خاص في الأزمة الإيرانية بحلفاء واشنطن في المنطقة، كما أن الولاياتالمتحدة مطالبة من جهة أخرى بالتنسيق مع شركائها الدوليين (أعضاء مجلس الأمن الدائمين وألمانيا) وأيضًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامج إيران النووي. والتحدي الأكبر الذي تواجهه على هذا الصعيد يتمثل في العمل بشكل دائم على كسب دعم أوسع من روسيا والصين. ويرى المؤلف إنه بالنسبة لإسرائيل، فإن واشنطن تعتقد أنه كي يتم الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وعلى علاقة قوية مع إسرائيل، فإنها ستظل في حاجة إلى إعادة التأكيد على الالتزام بأمن إسرائيل، وعن عزمها التصدي للبرنامج النووي الإيراني. لكن يتعين عليها أيضًا إقناع إسرائيل بضرورة دعم المبادرات السياسية الأمريكية، وعدم تبني سياسات مستقلة بهذا الشأن، من الممكن أن تخل باستقرار هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للمصالح الأمريكية، وأن الأفضل ألا تنفرد باتخاذ قرار من جانب واحد حيال البرنامج النووي الإيراني. أو بمعنى آخر ينبغي على واشنطن إقناع إسرائيل بعدم القيام بضربات جوية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية بمفردها، أوالإعلان عن قدراتها النووية بشكل علني. وبوسع الولاياتالمتحدة تحقيق هذين الهدفين بإعادة التأكيد على التزامها بالدفاع عن أمن إسرائيل وأيضًا باستعدادها الوفاء بتكلفة أي عمل لا يتم بالتنسيق معها، وإقناعها كذلك بأن واشنطن ملتزمة باتباع سياسة حازمة إزاء إيران. مسؤولية نجاد يلاحظ ريردون أن التوتر بين إسرائيل وإيران ازداد حدة بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد وصعود تيار المحافظين في إيران، حيث تبنى نجاد سياسة ملتهبة معادية بشكل صارخ لإسرائيل. كما أدت سياسة نجاد الصدامية ضد الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام حول ملفها النووي إلى إيلاء إسرائيل أهمية أكبر لهذا الملف. ويمكن القول: «إن إمكانات إسرائيل العسكرية كافية للقيام بضربات عسكرية ناجحة ضد المنشآت الإيرانية الرئيسة في فوردو، ناتنز، أصفهان، وأراك. لكن ينحصر التساؤل هنا حول مدى إمكانية أن يؤدي هكذا هجوم إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني بشكل كاف بما يغطي تكلفة هذا الهجوم. مع العلم أن كثيرين من الخبراء الإسرائيليين أجروا دراسات وافية حول الفاتورة التي سيتوجب على تل أبيب دفعها في حالة توجيه تلك الضربة، شاملاً ذلك الصعد الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، وبما في ذلك ردود فعل الانتقام الإيراني المتوقع، وأيضًا ردود فعل حلفاء إيران الإقليميين، وإمكانية توسيع دائرة الصراع لتشمل أطرافًا إقليمية أخرى، إلى جانب التأثير السلبي الذي يمكن أن تلحقه تلك الضربة على العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية. يلاحظ المؤلف أيضًا أن التكلفة السياسية لتلك الضربة ممكن أن تؤدي إلى جانب ما سبق إلى تراجع عملية السلام ووقوف دول عربية إلى جانب إيران، وأيضًا إلى نتائج سياسية سلبية في دول الربيع العربي، مثل مصر، التي لا تزال في مرحلة سياسية انتقالية، ولديها استعداد للاستجابة إلى تأثير المتطرفين. هذه التكلفة الباهظة والمخاطر المتعددة تفرض على تل أبيب التفكير مليًا قبل الإقدام على هذه الخطوة لا سيما في ظل استمرار الولاياتالمتحدة في استخدام سلاح المفاوضات والعقوبات. محاذير أمريكية بالطبع ليس بوسع إسرائيل تجاهل خصوصية علاقاتها مع الولاياتالمتحدة في حالة إقدامها على توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية من جانب واحد. ولذا فإنه يجب أن تفكر طويلاً قبل استخدام القوة ضد إيران بدون أخذ الموافقة من واشنطن. لكن يظل هنالك الاحتمال قائمًا لأن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة إلى إيران من جانب واحد بالرغم من معارضة واشنطن، وذلك عندما تشعر إيران بأن حصول إيران على القنبلة بات وشيكًا، وأن الولاياتالمتحدة لا تبدي الاستعداد لوقفها. وبصرف النظر عن معرفة أين هي خطوط إسرائيل الحمراء؟، فإن الولاياتالمتحدة لابد وأن يكون لها تأثيرها القوي على القرارات الإسرائيلية. ثمة موضوع آخر مهم لأمريكا سيكون حول وضع الوضع النووي لإسرائيل لما تمتلكه من ترسانة نووية أصبح أمرها معروفًا للعالم منذ بضعة عقود. وبالرغم من تفاوت التقديرات حول حجم تلك الترسانة التي تقدر في حدها الأدنى بمائة رأس نووي، فإنه لا يوجد أدنى شك في أنها تفوق بمراحل ما يمكن أن تمتلكه إيران من سلاح نووي مستقبلاً. وبالرغم من هذا الفارق الشاسع في القدرات النووية بين إسرائيل وإيران، إلا أن إسرائيل تنطلق في نظرتها إلى البرنامج النووي الإيراني بأنه تهديد لوجودها كدولة، وهي عقدة مزمنة منذ نشأتها عكست توجهاتها منذ ذلك الوقت بأنه لابد لها كي تحافظ على وجودها هذا أن تكون قوة عظمى في المنطقة، وألا تسمح لأي دولة أخرى في أن تكون أقوى منها، وأن تكون قادرة على مواجهة أي تهديدات تستهدفها من قبل الجيران. ويعتقد العديد من الإسرائيليين أن النجاح الذي تحقق لهم في مواجهة تلك التهديدات لم يعتمد فقط على القوة العسكرية، وإنما أيضًا - ولعله الأهم – الإصرار على استخدامها.