وفي هذا المقال، أُقدّم نموذجي إصلاح متنوعين، يمثلان واقع العالم الإسلامي في موضوع الأنظمة والقوانين من أكبر الإشكالات التي تعرضت لها المجتمعات الإسلامية وكانت لها آثار سلبية واسعة: وجود قوانين في بلدانها تتعارض مع مسلماتها الشرعية وثقافتها الإسلامية، وكثيرًا ما بحث المتخصصون العقلاء عن حلول إصلاحية، يَصلُح بها الحال مع حفظ بها الاستقرار، وكان للحكّام الصالحين، والعلماء المصلحين، والقضاة العاملين، أثر إيجابي كبير في ذلك. وفي هذا المقال، أُقدّم نموذجي إصلاح متنوعين، يمثلان واقع العالم الإسلامي في موضوع الأنظمة والقوانين: الأول: من المملكة العربية السعودية، التي ينصّ نظامها الأساسي على وجوب استمداد أنظمتها من الكتاب والسنة، ويُبيّن أنَّهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة بما فيها نظامه الأساسي. وبمعنى آخر: تصنّف أنظمته على أنها: أنظمة، أي: قوانين إسلامية، تفريقًا بينها وبين القوانين (المطلقة)، أي: القوانين الوضعية. والثاني: من جمهورية مصر العربية، التي ينصّ دستورها على أنَّ الإسلام دين الدولة، لكنه لا يلتزم الاستمداد من الشريعة الإسلامية، ولا ينصّ على حاكميتها عليه؛ ولذلك تُصنّف أكثر قوانينها ضمن القوانين الوضعية وإن وجدت بينها قوانين إسلامية. فأمَّا النموذج الأول، فله أمثلة كثيرة، من أوضحها للعرض في مثل هذا المقال: إحالة الجهات المختصّة مشروعَ «نظام توزيع الأراضي البور» بتاريخ 10/11/1387ه إلى رئيس القضاة في حينه، الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وهو المفتي العام الأول للملكة العربية. وقد خلصت دراسة الشيخ لها من الناحية الشرعية إلى ما يلي: أولًا: صرح الشيخ رحمه الله في دراسته الرقابية، بالرضا العام عن مشروع النظام، لعدم معارضته للشريعة في الجملة، فقد قال رحمه الله: «رأيت النظام مشتملًا في جملته على مواد فيها مصلحة ظاهرة، ومنفعة عامّة، ولا يتعارض مع الشريعة السمحة التي جاءت بما فيه مصلحة الأمَّة في دينها ودنياها». ثانيًا: بعد موافقة الشيخ وإقراره على مشروعية النظام في الجملة، بيّن أن له عليه ملحوظات، ثم ذكر كلّ ملحوظة مع التعليل، وبيّن البديل الشرعي، مطالبًا بتعديل الملحوظات، وطالبًا صورة من النظام بعد تعديله. وتنوعت هذه الملحوظات بين: إضافة و حذف، لعبارات أو كلمات أو مواد. فمثال التعديل بالإضافة: اقتراحه بشأن ما جاء في المادة الخامسة: أن يضاف إلى اللجنة عضو ثالث يمثل الجانب الشرعي إضافة إلى العضوين المنصوص عليهما من أهل الخبرة، موضحا سبب ذلك بقوله: «فينبغي أن يكون مع اللجنة شخص من أهل العلم يعينه رئيس القضاة». وكذلك: اقتراحه إضافة مادة تقتضيها المصلحة ولم يرد لها ذكر في النظام! وذلك في قوله: «حيث قد جرى في الماضي إقطاع أراض زراعية من ولي الأمر، ولم يقم بعضُ من أُطع تلك الأراضي بإحيائها؛ فينبغي وضع مادة تخوّل وزارة الزراعة إعطاء من أُقطعت له مهلة كافية لإحيائها، فإذا لم يحييها في تلك المدة، فتأخذها الوزراة وتعطيها لمن يحييها بموجب هذا النظام. ومثال التعديل بالحذف: اقتراحه بشأن ما جاء في المادة الثانية، فقد قال: «نرى أن تحذف من المادة الثانية الجملةَ التالية: «ولا تسمع الهيئات القضائية دعوى من نُزعت منه الأرض في أي حقّ أو مطالبة ناشئين عن نزع الأرض«. ومثله: نقده لبعض ما جاء في المادة الحادية عشرة، حيث قال: «هذه المادة تعطي وزير الزراعة ما ليس من حقه؛ فالخلافات والتظلمات يرجع فيها إلى المحاكم الشرعية«. وقد ظهر أثر هذه الدراسة الرقابية الشرعية لمشروع النظام، في النظام الذي صدر بعد ذلك، بالمرسوم الملكي م/26وتاريخ 6/7/1388ه. وهذا النموذج يكشف موقف كبار علمائنا في المملكة من مبدأ سنّ الأنظمة المرعية، حيث ساهموا في ذلك، بطرق عديدة، منها هذه الطريقة الرسمية، التي أحالت فيها الجهة المختصة مشروع النظام لأعلى جهة علمية شرعية رسمية في حينها، لتمارس الرقابة الشرعية عليها، ومن ثم يكون النظام خاضعًا لسيادة الشريعة التي يؤمن بها العباد، وتلتزمها البلاد.. وللمقال بقية تستكمل في العدد القادم إن شاء الله تعالى..