الصعود المتدرج لحسم المملكة موقفها النهائي من الثورة السورية فاجأ المشهد بثلاث رسائل قوية أُتبعت بإعلان مبادئ حازم تُجاه قرار إنقاذ الشعب السوري عبر الخيار الوحيد وهو الإمداد المسلح للثورة السورية في طريق التحرر والخلاص من النظام الإرهابي القائم في دمشق والمدعوم بقوة عسكرية وسياسية واقتصادية ولوجستية أجنبية من إيران ومن أذرعتها في لبنان وفي العراق مع التسليح والخبرة العسكرية الروسية والتغطية الدولية الضخمة من موسكو والصين , ومع الإشادة المستحقة لموقف المملكة المهم جداً لكننا سنعرض للبعد الاستراتيجي المهم والذي يطرحه المحللون السياسيون كنطاق أشمل لفهم مسار القضية الأبرز والأكثر تأثيراً على مستقبل الوطن العربي وخيار الشعب السوري التاريخي . فخلال الأسبوع الماضي فقط أرسلت المملكة ثلاث رسائل قوية احداها إلى موسكو أعلنتها وكالة الأنباء السعودية وليس تسريباً أو حديثاً لمصدر مسئول في إشارة مهمة تعني بالضرورة أن هذه الرسالة لا تقف عند موسكو بل وعواصم غربية أخرى , حيث نقلت واس رد خادم الحرمين على الرئيس الروسي الذي تضمن إدانة في صيغة عتب , وإعلان واضح أن المملكة لن تدخل في دائرة ابتزاز ولن تغيّر موقفها الداعم للشعب السوري بقول الملك انه لا فائدة من الحوار الآن بعد استخدام موسكو الفيتو الخطير ضد الشعب العربي , ثم اتبع ذلك بموقف الأمير سعود الفيصل الذي اعترض على سقف مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس وانخفاض طرحه في ترديد اللغة الإنسانية رغم أنّ الجميع يعلم أن المذابح والتردي الإنساني مصدره واحد وهو بطش النظام وهو ما أشار له الأمير سعود بوضوح انه مالم يواجه هذا العدوان فان المآسي لن تتوقف ورغم عودة الأمير سعود بعد مناشدة من أطراف مهمة إلاّ أنّ انسحابه عكس حجم الجدية الكبيرة التي تعنيها الرياض في عدم التسليم للمشهد الحالي المتخاذل أمام مذابح الشعب السوري خاصة حين اختتم الأمير تصريحاته بقوله – تسليح الجيش الحر فكرة ممتازة . وجاء قرار مجلس الوزراء الاثنين الماضي ليقدم دعماً قوياً لمواقف الأمير سعود ويثبتها في مدارها النهائي, ولفهم هذا المعطى جيّداً وسبب ترجيح المراقبين له بأنه سيدخل أبعاداً تنفيذية مهمة هو إدراك الجميع بأن هذا التكالب الإقليمي على الشعب السوري يعني مذابح تاريخية أكبر لو نجح في إخماد الثورة ومن ثم الزحف الإيراني الشامل على منطقة الخليج , ويجب الانتباه هنا جيّداً بان رسائل الغرب وكما توقعنا سابقاً كانت تدور على ترك المشهد لإنهاك الشعب السوري خشية من سقوط النظام في هذا الوقت وهو ما حذرت منه تل أبيب . والمتأمل في رسائل الرياض وخطابات وتصريحات المسئولين الأمريكيين يجد أنّ واشنطن ورغم الموقف الإعلامي المندد بالأسد إلاّ أنّها كانت عملياً قريبة من الموقف الإسرائيلي ولذلك فهم المراقبون بصورة واضحة رسائل الرياض المنددة بالتخاذل الدولي بأنه موجه للغرب قبل الروس العاجزين عن تثبيت النظام مهما فعلوا , وهنا يبرز لنا السؤال الكبير بعد توضيح البعد الاستراتيجي والموقف السياسي ما هي الرؤية السعودية للدعم وإمكانية تنفيذها على الأرض ؟ ولو قلنا باستبعاد أنموذج الحصول على منطقة عازلة بين الحدود التركية والسورية وحمايتها دولياً فان المشهد سيتحول من الداخل السوري عبر ما أثبتته قوة وفدائية عناصر الجيش الحر وقدرات صمودها رغم فارق العدد وضعف التسلح فكيف ذلك ؟ الأمر هنا يعني أنّ هناك قدرة كبيرة جداً بانضمام المتطوعين السوريين للجيش الحر من الداخل ثانياً تزايد الانشقاقات ثالثاً تلقي الدعم بالتسليح العسكري من دول الخليج وحلفائها وإسناد قوة الجيش الحر الذي ستسمح قوته ومركزيته بمنع أي اختراق أو تدفق من عناصر متشددة يشكل دخولها جانبا سلبيا على ثورة الشعب السوري بعد الدروس المروعة التي تقدمها تلك العناصر من مدخل للمحاور الدولية والإقليمية ونشر الفوضى في الأوطان . هذا التطور المتوقع جداً بعد التسليح ورغم كل صور المذابح سيُعزز إمكانية الوصول للمرحلة الثانية وهي فرض المنطقة العازلة من قبل الجيش الحر والثوار حين وصولهم للحدود , وبالتالي التقدم بالإرادة الشعبية على واقع الجغرافية السورية , المهم زحف قوات الجيش الحر الذي سيبرز بعد التسليح والغطاء المدني الإنساني الضروري أن يحقق بأكبر قدر ممكن لتقليل عدد الضحايا والتخفيف على الشعب وإلا فالإستراتيجية العسكرية ستتقدم رغم الدماء , وخلافاً لما يثيره البعض من مخاوف تفجر طائفي أو فوضى عسكرية فان إعادة قراءة المشهد السوري وأدبيات وقوة انضباط الثورة يؤكد على أنّ تقدم الثوار سيكسبها المزيد من الاستقرار , فإذا أضيف إلى ذلك تصاعد النجاح العسكري ومركزية الانشقاق الواردة جدا بشهادات حتى من الطائفة العلوية فان هذا الدعم الذي تتوجه له الرياض قابل للغاية لتحقيق النصر الموعود وإغاثة الشعب بنظام مستقر تملك أطراف المشهد السوري عناصره المدنية أما الفوضى والمذابح والتصفيات الطائفية فهي ليست مخاوف بل قائمة الآن عبر النظام وحلفائه الإيرانيين في حين تمثل ثورة السوريين خيار الإنقاذ والاستقرار لكل المدنيين .