لم تخطئ السيول طريقها عندما داهمت جدة قبل عدة سنوات وكانت الفاجعة التي دخلت تاريخ المآسي، ولكن المخطئ هو من زرع البيوت في طريقها، فلم تجد بداً من اختراقها وجرف من كان في مسارها، وكل ما جاء مطر لساعة سبب كوارث تدخل التاريخ، ويبدو أن الدروس غير كافية مع وجود كل الإمكانيات في زماننا لتفادي أخطار السيول وترك الأودية تحمل السيول إلى البحر كما خلقها الله، وحادثة وادي (تمايا) التي راح ضحيتها عشرة شهداء واحتجاز أعداد كبيرة، وما نتج عنها من آثار نفسية على الناجين، كل ذلك يجعل المأساة تتكرر كلما سال أحد الأودية ما لم نتجاوز التعازي إلى الحلول السليمة. رحم الله عويضة الزبالي ويوسف العوفي اللذين ضحيا بنفسيهما في سبيل إنقاذ الأطفال والنساء، وحفظ الله أحمد بن طفيل البلادي الذي ألقى بنفسه وسيارته بين أمواج السيل الهادر فوفّقه الله لإنقاذ أكثر من 15 طفلا وسبع نساء وثمانية رجال، وضحّى بسيارته التي جرفها السيل، وكاد أن يموت لولا أن الله كتب له الحياة، وهؤلاء الشباب دفعتهم صيحات المستغيثين لبذل أقصى ما يستطيعون وحسبهم أن منهم من استشهد في سبيل إنقاذ آخرين، ويوجد غيرهم من أبطال الشهامة ممن لم تصل أسماؤهم لوسائل الإعلام. لم تكن هذه الكارثة هي الأولى لهذا الوادي فقد نشرت المدينة في تغطياتها المميزة يوم 8/12/1433ه أن هذا الوادي ابتلع عام 1406ه حياة مواطنين، وداهم المساكن في رابغ، وفي عام 1432ه احتجزت سيوله فرق الدفاع المدني المتجهة لإنقاذ محتجزين في وادي حجر، حتى إن أحد الموطنين قال: «إن هذا الحادث ربما كان الحادث السادس لسيول وادي (تمايا)». هناك سبعة أودية تهدد حياة العابرين بين رابغ ووادي حجر بالغرق، وحل هذا الخطر يسير، فهو يتمثل في إنشاء جسور عبور، فلو أنشئت هذه الجسور لعَبَرَ السيل في مجراه وعبر المواطنون من أعلاه في أمان، أما أن يكون طريق السيل وطريق العابر واحدًا فالنتيجة هي الموت، لأن السيل لن توقفه إشارة ولن تسبقه نذارة، فضلاً عن أن سيول أودية الحجاز تنحدر انحدارًا سريعًا شديدًا، وفوق ذلك تحمل معها الغثاء الذي يضاعف خطرها، فهل تنبّه هذه الكارثة إلى الخطر، ونسمع عن بدء بناء جسور العبور بعد شهر من الآن فالمال وافر والحمد لله، وحياة المواطن أغلى منه، والسيل يحتاج إلى جسور عبور قوية وعالية لا إلى عبّارات قد تسدها شجرة حملها السيل. وسبق أن ذكرت في حوار صحفي مع معالي وزير المياه والكهرباء قبل عدة سنوات أن من أفضل الحلول كسر حدة اندفاع مياه السيول بناء السدود المتتالية في كل وادٍ، وبذلك ستحتفظ الأرض بأكبر كمية من المياه الجوفية، وستحدّ من سرعة السيول لأن كل سد سيحتجز كمية منها وما يفيض يحتفظ السد التالي بجزء منه، ولو أقيمت في وادي تماية خمسة سدود هل ستكون قوة السيل في أعلى اندفاعها؟!. آمل أن تعمل الوزارة بهذا الحل، وأن تعرف أن لبلادنا طبيعة جغرافية تختلف عن البلدان الأخرى، ثم إن إقامة العقوم في الأودية مما يتسبّب في تجمع السيول ثم اندفاعها القوي إذا جرفتها السيول، فهي عقوم ترابية لا حجرية لا تلبث أن تنهار أمام قوة الماء بخلاف البناء الحجري الذي يستمر مئات السنين، ويبنى بتوازن هندسي يأخذ كمية من المياه كافية للزراعة. الجسور للعبور، والسدود لحفظ الماء والحدّ من قوته، ومعالجة موضوع العُقُوم حلول يعرفها من لم يدرس هندسة الطرق والمياه، فهل من مسارعة إلى بنائها؟ وهل من درس عملي من غرقى وادي تمايا؟!. [email protected]