رفض عدد من علماء المسلمين ترديد الشعارات السياسية والطائفية المخالفة لفريضة الحج، كما حذروا من فوضى الإفتاء ونصحوا الحجاج بأخذ الفتوى عن طريق العلماء والجهات المختصة وأن يطبق المسلمون في أداء فريضة حجهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأوضحوا أن مثيري الشغب والشعارات حجهم غير مقبول. وقال الدكتور حسن علي الحجاجي عميد معهد الأئمة والدعاة في رابطة العالم الإسلامي ورئيس لجنة التوعية الإسلامية: إن الفتوى إفتاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فينبغي على من يفتي أن يكون على علم من فتواه لأنه من أفتى بغير علم ضلّ وأضلّ ولذلك أول من تسعّر به نار جهنم عالم بعلمه لم يعمل وعالم أضلّ الناس. وأوضح أن الفتوى مسؤولية عظيمة ينبغي ألا يقدم عليها إلا الراسخون في العلم، لكن لو سأل إنسان عن أمر وهو عنده علم فيه اطلع عليه من خلال كتب العلماء أو فتاويهم فيكون راويه لتلك الفتوى. وأوضح أن الشعار الذي وضعه الله عز وجل هو الذي علمه نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما قال: وأذن في الناس فقال: ماذا أقول يارب وماذا عساي أن يصل صوتي ؟! فقال له الله تعالى: (أذن فيهم وعلينا البلاغ). وأكد أن رفع أي شعارات سياسية في الحج مرفوض تمامًا لتنافيه مع مفاهيمه المختلفة. نرفض الشغب أما الشيخ عكرمة سعيد صبري خطيب المسجد الأقصى بالقدس ورئيس الهيئة الإسلامية العليا ورئيس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين فيقول: مطلوب ممن يبحث عن فتوى أن يسأل أهل الاختصاص ولا يسأل عابر السبيل، أما المسؤول الذي يوجّه له السؤال عليه أن يتقي الله في فتواه وإن كان ليس أهلًا للفتوى ينبغي عليه أن يمتنع ويعتذر عن إعطاء أي إجابة توجه له وعليه أن يحيل السائل إلى أهل الاختصاص والعلماء لكي يعطوا رأيهم السديد في مجال الحج وفي غيره من الأحكام الشرعية. وأوضح أن الشعارات الدينية معروفة في كتب الفقه وفي المصنفات الشرعية ولا يجوز استغلال تجمع المسلمين لأهداف تخرج عن الأهداف الدينية ولا يجوز الشغب وإثارة البلبلة في مناسك الحج لأن المسلمين يأتون من كل فج عميق لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام فلا يجوز أن يُصرفوا إلى غير ذلك. وقال الدكتور إدريس العلوي العبدالراوي عميد كلية الحقوق ورئيس جامعة القروي والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية بالمغرب: إن الإنسان لا يتبوأ مهمة الفتوى إلا إذا كان ملمًا بالأحكام الشرعية بصفة عامة. وأوضح أن إطلاق البعض لشعارات سياسية في الحج أمر مرفوض ويجب على الدول الإسلامية أن تنهض بمسؤولياتها كاملة وأن تلزم حجاجها باحترام أنظمة المملكة لأن هذا الحق مقيد ومنوط بعدم المساس بحقوق الآخرين. وأوضح أن العبرة في الحج بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني وينبغي على الشخص ألا يتسبب في إلحاق الضرر بنفسه بالإصرار على صعود جبل الرحمة. رفض الخلافات السياسية أما القاضي حمود الهيتار وزير الأوقاف والإرشاد بجمهورية اليمن سابقًا عضو مجمع البحوث في الأزهر الشريف فيقول: وضع الفقهاء شروطًا للمفتي لكي يكون أهلا للفتوى ومن أهمها أن يكون ملمًا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وغيرها من الشروط التي تؤهله لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية وصولا إلى الأحكام الصحيحة، ودعا العلماء إلى التيسير عملًا بقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا)، فمن المعروف أن المشقة تجلب التيسير ولاسيما في أعمال الحج وخاصة في هذا العصر الذي يتزايد فيه أعداد الحجيج مما يحتم على علماء الأمة التيسير في فتواهم في الأشياء التي تحتمل التيسير. وقال: إن شعار الحجيج معروف وهو لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وهذا الشعار يترتب عليه حتما توجه المسلم إلى خالقه جل جلاله وطلب مغفرته ورضوانه وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا أو الخلافات السياسية. ودعا إلى نبذ أسباب الفرقة والخلاف مهما كانت والتخلي عن الشعارات الطائفية والحزبية والسياسية والتي تقود إلى الفرقة بين المسلمين. وأوضح أن الحج عرفة وما عدا ذلك فيه سعة ولا شك أن مكة بمشاعرها المقدسة هي أحب أرض الله إليه وأحب أرض الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ويجب أن يجتهد الحاج في طاعة الله عز وجل وأن يغتنم الفرصة فيها من الإكثار من الطاعة لله ويعتقد الاعتقاد الصحيح أن الله هو الضار وهو النافع. وقال: ما يقوم به بعض الأشخاص من التبرك بالأشجار والحجارة لا صحة له في السنة ونحن ندعوهم إلى الاجتهاد في الطاعة قبل التبرك. وشاركنا الدكتور جعفر عبدالسلام علي أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية والأستاذ في جامعة الأزهر بمصر بقوله: تم تحديد شروط المفتى في أكثر من مؤتمر عالمي، حيث يجب أن يكون متخصصًا في مسائل الفقه عالمًا ببواطن الأمور ونحن ننصح كل من يفتي أن يبتعد عن الفتوى لأن الجزاء عند ربه عظيم. وأوضح أن الشعارات التي يقصد بها مسائل سياسية أو التعريف بأحد فهي جميعها خارجة عن أصول الدين ومن يأتي إلى الحج يجب أن يكون طاهرًا بدنيًا ونفسيًا ومتجهًا إلى الله عز وجل في هذه الأيام القليلة يدعو الله عز وجل ويبحث عما يقربه إليه جل جلاله. من جهته قال الدكتور محمد علي محجوب وزير الأوقاف المصري الأسبق وأستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة عين شمس: إن المملكة هي ميزان العالم الإسلامي والدولة المنوط بها حفظ الإسلام وهي تؤدي دورها على أكمل وجه. وأوضح أن الدين الإسلامي ليس فيه غموض ولا تعصب بل دين سمح والفتوى يجب أن تؤخذ من أهل الذكر لأن الله تعالى قال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وأهل الذكر في كل مجال هم العلماء المتخصصون وليس معقولًا أن اسأل في الطب مهندسًا وعكس ذلك أو اسأل في الدين من لا يعرف. وأضاف إن الفتوى تحلّ حرامًا وتحرم حلالًا وينبغي ألا يتصدى لها من ليس أهلًا لها. وأوضح أن كتاب الله تعالى حسم قضية رفع الشعارات في الحج وقال: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» أي أنني آتي المشاعر المقدسة وأنا قاصد العبادة فقط مبتعدًا عن الشعارات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. وأوضح أن من يرفع شعارات غير الدعاء والتضرع إلى الله فأفضل له ألا يحج لأن حجه ليس مقبولًا. وأرجع بعض الأعمال والاعتقادات الخاطئة إلى الفتاوى المضللة التي أفتى بها بعض الجهلاء موضحًا أن صعود جبل الرحمة ليس ضروريًا لأن عرفة كلها موقف والرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يسأل في الحج يقول افعل ولا حرج فكل شيء مباح وميسور. أما الدكتور نور الدين مختار الخاتمي أستاذ في جامعة الزيتونة ورئيس الجمعية التونسية للعلوم الشرعية فيقول: على الحاج أن يسأل المتخصص العالم الفقيه الذي يستطيع أن يجيبه الجواب الصحيح بناء على معرفته بالأحكام الشرعية. ورأى أن الحج موسم للعبادة والطاعة ومظهر من مظاهر الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية والمحبة وهو مظهر حضاري وعالمي وإنساني نريد منه تبليغ رسالة إلى الناس جميعًا بأن وحدة المسلمين وأخوتهم ووحدتهم وتحابهم وتراحمهم فوق المظاهرات المذهبية أو الفكرية أو السياسية التي تعد مخالفة للحج.