غيّب الموت المفاجئ الشاعر المعروف مبروك العصلاني الحربي (أبو ناب) عن عمر تجاوز الثمانين عامًا، بعد تعرضه لأزمة قلبية أثناء حضوره لاحتفال كبير في قرية حجر التابعة لمحافظة رابغ مساء الخميس الماضي، وكان يعاني قبلها من مشكلات صحية، وتعرض لأكثر من جلطة شريانية. وبذلك تفقد ساحة الشعر شاعرًا كبيرًا وعلمًا بارزًا في المحاورة والزومال والنظم والمجالسي، أمضى ستين عامًا في نظم الشعر ومقارعة كبار الشعراء في الحجاز حيث بدأ الشعر وعمره ثلاث وعشرين سنة وواجه في بداياته عددا من شعراء محافظة وضواحيها رابغ ومنهم حسن بن عيفان البلادي ورجاء الله المحمدي ثم انتقل إلى مقابة شعراء قبيلة سليم المجاورة ومنهم الشاعر محمد بن شريف الجبرتي والشاعر راضي الخضيري والشاعر عوض الله أبو مشعاب فخرجت محاورات نارية جعلت من تلك الفترة هي العصر الذهبي لشعر المحاورة لوجود شعراء عمالقة أيضا كمطلق الثبيتي وعبدالله المسعودي ورشيد الزلامي ومستور العصيمي وصياف الحربي وغيرهم وكان (أبو ناب) حاضرا في هذه الفترة بكل قوته خاصة في محاوراته مع الجبرتي الذي وصفه قائلا: (أبو ناب مثل الحصاه يوجعك إذا سٍقطت عليه أو سقط عليك) في إشارة إلى تمكنه من الفتل والنقض ومن محاورة لهما يقول الجبرتي: الخط عوّد مع ديار سليم يوم الحظ قام واليوم ديرة حرب يا مبروك يعوي ذيبها لكن تعالوا عندنا يا صاحبي وابنوا خيام بس الحجر والطوب والأسمنت لا تبني بها فرد أبو ناب قائلا: حنا كسبنا الأولات اللي لها ستين عام تدري بها والاّ ليا ذالحين ما تدري بها والخط ما هو خطكم تخطيط مرحوم العظام والناس تمشي به على خبث النفوس وطيبها وفي محاورة وجه له مطلق الثبيتي بيتين قائلا: وداعة الله يالمسافر واذهن الذيب الذيب يأكلها وينهشها بدمها اصحى لابو مشعاب نقّاش المشاعيب لا يأكل التمره ويعطيكم عجمها رد الشاعر / مبروك ابو ناب الحربي: حنا ليا وقنا على روس المراقيب اللي قسمها صاحبي بنقتسمها ولا أنت لو تطلع عليك الشمس وتغيب لا تقرب البلهاء ولا تارح دسمها واستمر العصلاني في المحاورة دون انقطاع مسجلا عددا كبيرا من المحاورات مع العمالقة السابقين أو من المخضرمين امثال فيصل الرياحي (رحمه الله) وحبيب العازمي والشعراء الشباب امثال صقر سليم وعبدالله بن عتقان وعبدالعزيز العازمي وإبراهيم الشيخي وغيرهم. وفي عام 1417ه قرر الشاعر مبروك العصلاني اعتزال شعر المحاورة لقناعة شعرية حيث رأى أن ساحة المحاورة لم تعد كالسابق وافتقد برأيه للشعراء الحقيقيين ودخل عليها من لا يقدّر الشعر فاضطر للاعتزال وله قصيدة على نظم المجالسي في هذا الشأن منها: أنا تركت الشعر ما هو مذله قنعان من صوته وخوفٍ من الله يسدني ما زل كثره وقله ياكم قالوا لي وياكم قلناه الشعر فارقته ولاني بيمّه حالوا عليه أهل القلوب المطمّه الشاعر اللي يظلم ابوه وامه غريب قوله فأول الوقت واتلاه ولكن بعد عدة محاولات من وجهاء حرب تراجع أبو ناب عن قراره وعاد للمحاورة عام 1419ه واستمر لمدة سبع سنوات حتى قرر الاعتزال النهائي الذي لا رجعة فيه عام 1426ه في حفل كبير بوادي الفرع واستهل حديثه بكلمات عن الشعر وموقفه منه خاصة المحاورة والتي قال عنها بأنها كانت له في البداية (زوم) أي عشق وهواية ثم (لزوم) قاصدا الدفاع عن قبيلته حرب لحميته المعروفة وثبته بقصيدة على نظم المجالسي الذي يبدع فيه كثيرا ومن أبياتها: لي يجي خمسين عام انا تعلمت الشعر دون ربعي حامي الماقف مثل ضابط خفر كل بابٍ له جواب وكل علمٍ له سعر الرسول المصطفى يا من حضر صلوا عليه وفي رأيه عن الشعر والشعراء يقول: راح وقت الشعر من بعد الجبرتي والتويم والثبيتي والسحيمي والخضيري من سليم مع بطيحان الهذيلي راعي الشعر الحكيم الرسول المصطفى يامن حضر صلوا عليه بعد ابن مستور عبدالله وجارالله شباب والعلياني سعيّد والزبيدي ذخر ناب مع شليويح المطيري والسميري في الجواب الرسول المصطفى يامن حضر صلوا عليه وعن موقف من الشاعر الكبير صياف الحربي يقول: السحيمي رقم واحد والا انا عن شاعرين دون حرب افدى بروحي باللسان وباليمين والشهاده جابها الله من خيار الشاهدين الرسول المصطفى يامن حضر صلوا عليه وفي قصائد النظم ظل العصلاني هو شاعر محافظة رابغ الأول وله قصيدة أساسية في كل احتفال رسمي على مستوى المحافظة أو الزيارات الرسمية من كبار المسؤولين بالإضافة إلى القصائد الاجتماعية والوعظية والتنديد بالإرهاب والمشاركات الوطنية ولكنه ينظم قصائده على أسلوب المجالسي ويعد من كبار شعراء فن الحدا (الزومال) ولم يتركه حتى وفاته رحمه الله. أما على الصعيد الاجتماعي مع أنه رجل أمي لنشأته في ظروق صعبة بعيدة عن التعليم والمدينة الا أنه من رجل عرف عنه الكرم والشجاعة والتواصل الاجتماعي وحسن الحديث والدراية الكاملة بسلوم وعادات القبائل وكان في بداية مسيرته الشعرية يتنقل من قرية إلى قرية في ضواحي رابغ أو في خليص ووادي ستارة الذي كوّن فيه علاقات واسعة بداية حياته الشعرية وكان يتردد على قرى الظبيّة ومخمّرة خاصة أثناء جني التمر واجتماع الناس والمحاورات شبه الليلية وتربطه علاقة وطيدة مع الشاعرين محمد الجبرتي رحمه الله وراضي الخضيري (شفاه الله) ولذلك جاءت محاوراته معهما في قمة التحدي والعمق لمعرفة المعاني الخاصة عند كل شاعر بالإضافة إلى صلة القرابة والجوار وهو من بيت شعر معروف فأجداده قبله شعراء وله عدد من الأبناء ينهجون نهجه الشعري ويحافظون على مكتسبات والدهم الذي لم ينصفه الإعلام كما يليق به من شاعر كبير شهد له كبار الشعراء وتبقى مواقفه دون القبيلة وأبياته الشاهد الأكبر على شاعريته الفذة رحمه الله.