لم يكن غريبًا أن تتحفظ منظمة اليونسكو العالمية على إدراج جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي بعد قرار المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية «الأيكومس» وإبعاد ملف جدة من أجندة مؤتمر لجنة التراث العالمي الذي عُقد مؤخرًا في مملكة البحرين، فهذه المنطقة تتعرض بشكل مستمر للعديد من الحوادث وكوارث الحريق والتعديات والإهمال وعدم النظافة الأمر الذي أثبته تقرير »الأيكومس» وأفضى تبعًا لذلك إلى إبعاد هذا الملف المهم للمملكة وتراثها، فقد كانت الآمال معلقة على هذه المنطقة التاريخية لتلحق بمدائن صالح والدرعية اللتين حجزتا موقعهما في السجل العالمي للتراث، وعلى هذا كان من المنظور والمأمول أن تجهز هذه المنطقة التاريخية في جدة على نحو علمي يتفق ومعايير التقييم العالمية قبل تقديم الملف، فأشار التقرير إلى أن هذه المنطقة استخدمت على نحو أفقدها جزءا كبيرًا من بعدها التاريخي لا يمكن أن يؤخذ إلى على محمل على الاهتمام والمعرفة بالقيمة الحقيقة للتراث العمراني.. ولا يحمل التقرير بهذه الإشارة أمرًا غائبًا على المسؤولين والمتابعين لهذا الشأن، فكثير من هذه المنازل التاريخية تعرض للسقوط، وبعضها صار مأوى للعمالة الوافدة، وبعضها الآخر تعرض لسلسلة من الحرائق التي أتت على جزء كبير من المفردات التراثية في هذه المباني، وكل هذه الظواهر أمر يمكن السيطرة والقضاء عليه متى ما وضعت هذه المنطقة موضع الاهتمام، ووجد الرعاية التي تستحق، واستوفت ما يجب عليها إيفاؤه قبل إعادة تقديم هذا الملف في الدورة المقبلة من اجتماع اليونسكو.. واستباقًا لهذه الخطوة كان من المهم أن نقرأ ما في مخيلة المسؤولين المباشرين عن هذه المنطقة، ماذا أعدوا لاستئناف تقديم الملف، ما هي خطواتهم لإنقاذ ما بقي من المنطقة التاريخية، على من تقع مسؤولية ضياع فرصة إدراج المنطقة في اليونسكو.. هذه المحاور شارك في الإجابة عليها ثلاثة من المسؤولين تطابقت بعض آرائهم وتقاطعت في أخرى، فيما لم يرد مكتب الهيئة العامة للسياحة والآثار بمكة على استفسارات «الأربعاء» رغم الاستجابة لطلبهم بإرسال بريد إلكتروني بذلك، حيث تم إرساله مرتين، ولكنه لم يحمل ردًا.. حاجة إلى دماء جديدة استهلالًا يقول الدكتور عدنان عدس الأستاذ المشارك بقسم العمارة في جامعة الملك عبدالعزيز: المثل العربي الشهير الذي يقول «ومن الحب ما قتل» ينطبق على ما يجري حاليًا في المنطقة التاريخية بجدة، حتى وإن حكم المنطق بخلاف ذلك؛ إذ انّ أي مشاعر تجاه شيء ما ينبغي أن تكون موزونة، وفي بعض الأحيان يجب أن تأخذ تلك المشاعر خطوة إلى الوراء بأن تسمح للآخرين بأن يدلوا بدلوهم إن وجدنا لديهم ما يقنع من أفكار مستنيرة، وهم كثر بلا شك. ويضيف عدس: وبعيدًا عن الدخول في موضوعات شخصية، أوجه كلامي للأخ سامي نوار بعد أن أمضى 18 عامًا من عمره العملي في إدارة المنطقة التاريخية بجدة، وأقول له: كفى واترك المجال لغيرك، فالفترة التي أدرت فيها المنطقة التاريخية هي فترة تشكر عليها بكل تأكيد، ولتترك المجال لغيرك، إذ إنه يتوجب أن تضخ دماء جديدة في هذه المنطقة الحيوية تأخذ هذه المنطقة بشكل مغاير تمامًا لما تم أخذها فيه في الفترة السابقة، وقد وافق صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار على إنشاء جمعيتين تعنيان بهذا الشأن وهما جمعيتا «قلب جدة» و«جمعية المحافظة على التراث العمراني»، فضلًا عن أنه يوجد العديد من الكوادر المتعلمة الشابة التي تريد أن تهتم بالمنطقة التاريخية، ولديها الفكر المستنير لإدارة هذا الملف الحيوي، هذا وبدون التهجم على شخص المهندس سامي نوار فهو في كل الحالات شخص مجتهد أبلى بلاء حسنًا؛ ولكنه يجب أن يتخلّى عن ملف إدارة المنطقة التاريخية لكوادر شابة تديره خلاف ما أدير به سابقًا. ويتابع عدس حديثه كاشفًا السبب وراء استبعاد ملف المنطقة التاريخية بجدة من اليونسكو بقوله: إن عدم قبول ملف المنطقة التاريخية في اليونسكو يعود بالدرجة الأولى إلى عدم اهتمام الأمانة بالعديد من جوانب المنطقة، ومنها أن المنطقة التاريخية لا تحظى بنظافة مميزة، ولا توجد حدائق منظمة، وكذلك التعديات، وهذا بلا شك نقص في أداء بلدية المنطقة التاريخية، والهيئة لم تألُ جهدًا في عقد شراكات مع أمانات المناطق لتنهض بمثل هذه المشروعات، ومنها مشروع تاريخية جدة حتى وإن كانت تطلعات رئيس الهيئة سمو الأمير سلطان توحي بأكثر مما قد تم، إلا أنه يصرح وفي مرات كثيرة يقول إننا ما زلنا مقصرين انطلاقًا من حرصه أن يكون العمل أفضل مما هو عليه الآن، حتى إن الملف سحب من قبل الهيئة العامة للسياحة كخطوة تكتيكية لأنه سيرفض من قبل اليونسكو، وأنا كنت من ضمن من شارك في إعداد ملف المنطقة التاريخية، وقد تم إعداده بطريقة احترافية جميلة في جميع الأجزاء التي يحتاجها ملف التسجيل، ولكن اللجنة المشرفة في اليونسكو على تسجيل مواقع التراث العمراني لم يكتفوا بالوعود إذ يريدون بلورة للرؤى التي وضعناها في الملف وترجمة حقيقية على أرض الواقع، وقد وعدناهم خيرًا وبمباركة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة المجتهد دائمًا؛ ولكن والحق يقال إن الأمانة في وقت سابق طلبت ما بين نصف مليار إلى مليار ريال في المنطقة التاريخية نظرًا لأن هنالك الأولويات لدى المشروعات الحكومية الأخرى، وفي اعتقادي لو أنه صرف هذا المبلغ على تاريخية جدة لوجدنا وجهًا مختلفًا للمنطقة غير ما نراه حاليًا، فالحفاظ على المنطقة التاريخية وصيانتها ليس من باب الترف والنوع التكميلي لأنه سيوفر وظائف ويوفر تنمية اقتصادية، فضلًا عن أن جدة بوابة للحرمين الشريفين، واهتمامنا بهذا الملف سينعكس على ثقافتنا وحضارتنا لدى الآخرين، هذا المشروع الذي تقدم به الأمين السابق لجدة المهندس عادل فقيه اختفى تمامًا الآن، والسؤال حوله يوجّه للأمين الجديد المهندس هاني أبوراس، لذلك نتمنى - والتمني للمستحيل - أن نرى هذه المنطقة من أحلى المناطق، ولكن بتذليل العقبات الكبيرة التي يتوجب علينا أن نتجاوزها وبقوة، وأنا أنادي بإخلاء جميع المباني وإقفالها حتى يتم ترميمها، وهي مبان مهجورة غير مستغلة استغلالًا جيدًا. ويختم عدس حديثه قائلًا: حقيقة الأمر أنه إلى الآن لا يوجد قانون للآثار سوى ما كان قبل ما صدر في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز يرحمه الله، وقد رفعنا قانونًا جديدًا مقترحًا للآثار، وهو الآن على طاولة مجلس الوزراء من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار. شراكة ضرورية ويرى الدكتور هاني مهنا عضو الجمعية التاريخية السعودية، وعضو التدريس في كلية آداب بجامعة الملك عبدالعزيز أن هناك تدميرًا للمنطقة التاريخية، ويكشف عن ذلك في سياق قوله: تمثل المنطقة التاريخية في أي منطقة ما هوية تلك المنطقة وثقافة ذلك البلد، وبالتالي إذا حافظنا على هذه المنطقة فقد حافظنا على هذه الهوية، وإذا دمرناها فنحن ندمر تلك الهوية، وهو ما يحدث في جدة الآن؛ فالمنطقة التاريخية والمنازل المتواجدة في البلد تنهار الواحدة تلو الأخرى، ومؤخرًا بدأت الأمانة تهتم بها، وحتى وإن جاء اهتمامها متأخرًا بعض الشيء فهو أمر محمود، فلئن تأتي متأخرًا خير لك من ألا تحضر أبدًا. ويضيف مهنا: مدينة مثل جدة لها عراقتها التاريخية الموغلة في القدم، فالواجب علينا أن نحافظ على هذه العراقة، والذي نعرفه أن المؤسسات الدولية دائمًا ما تهتم بما هو أصيل، وعملية الترميم يجب أن تتم في المباني وفقًا لما كانت عليه هذه المباني قديمًا وليس لتحديثها كيفما اتفق، ويجب على الملف أن يحوي عراقة هذه المنطقة وعمقها التاريخي والآثار الموجودة فيها الآن وأوضاعها الحالية وسجل تاريخي عن كل أثر من هذه الآثار. أما عن قسم التاريخ فهو لا يملك أن يقدم إلا دراسة عن هذه المواقع، وعلى الأمانة أن تتيح الفرصة للباحثين للبحث والتنقيب والدراسة والكتابة، ولا بد أن تكون هناك شراكة بين أمانة مدينة جدة أو بلدية المنطقة التاريخية كما سميت مؤخرًا والجهات العلمية المختصة وعلى رأسها أقسام التاريخ في المنطقة والجهات المعنية بالملف، حيث يتم التفكير في عقد شراكات مع المؤسسات الأكاديمية بالمنطقة لأنها تجري بحوثها بعيدًا عن الجامعة ونحن ندعو إلى عقد شراكة حقيقية مع قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز، وحتمًا سنكون سعيدين بتناول جوانب البحوث العلمية التي تتعلق بملف المنطقة التاريخية، فضلًا عن أننا أبناء المنطقة ونحن أعرف الناس بها أكثر من غيرنا، مع احترامي للجميع. تضخيم إعلامي كذلك هاتف «الأربعاء» المهندس سامي نوار المشرف على المنطقة التاريخية بجدة الذي كان وقتها في اجتماع مع اللجنة الخاصة بالمنطقة التاريخية لتحرير محضر حول الحريق الذي حدث مؤخرًا، فاكتفى بالقول: ملف المنطقة التاريخية بجدة ملف شائك لا يمكن التحدث فيه على عجالة، ولا يمكن أن يتم تناول متعلقاته كافة بمهاتفة صوتية، وهو جانب تشترك فيه مع الأمانة الهيئة العامة للسياحة والآثار حتى وإن كانت الهيئة العامة للسياحة هي المكلف الرسمي بالمشروع ومتعلقاته، واسألوا الهيئة العامة عن عدم قبول الملف في اليونسكو، غير أننا تعودنا من إعلامنا أنه يضخم الأمور البسيطة. ---------- يشار إلى أن جمعية الحفاظ على التراث العمراني وتحت إشراف أمانة جدة قد نظمت الأسبوع الماضي حملة نظافة للمنطقة التاريخية بجدة بدأت مرحلتها الأولى في الفترة الصباحية صباح الخميس بمشاركة 75 متطوعًا ومتطوعة، ارتفع عدد المشاركين إلى 200 متطوع من الشباب والشابات، حيث شملت الحملة تنظيف برحة نصيف، وشارع قابل، وشارع الذهب، وصولًا إلى مركز المحمل التجاري. أبرز الحرائق التي وقعت في المنطقة التاريخية 23 نوفمبر 2004م - انهيار مبنى بعد احتراقه نتيجة تشربه بمياه الإطفاء بالمنطقة التاريخية. 25 مارس 2006م - إخلاء 30 أسرة في احتراق عمارة بالمنطقة التاريخية. 2 أكتوبر 2006م - حريق يلتهم سيدة وابنتها بمنزل متهالك بالمنطقة التاريخية. 11 سبتمبر 2007م - احتراق 3 منازل وانهيار آخر بالمنطقة التاريخية. 9 ديسمبر 2009م - 10 فرق إطفاء تكافح حريق منزل في المنطقة التاريخية حيث انهارت أجزاء من المنزل. 3 مارس 2010م - احتراق أكثر من 7 مبانٍ وانهيار ثلاثة. 12 فبراير 2011م - حريق يلتهم مبنى تاريخيا وتضرر مبان مجاورة لها. 13 فبراير 2011م - احتراق منزلين تابعين للوقف. 8 أبريل 2011م - انهيار منزل يعود تاريخه إلى قرن ونصف بالمنطقة التاريخية واحتجاز 4 أشخاص تم إنقاذهم. 13 أبريل 2011م - انهيار مبنى الدفة الأثري في تاريخية جدة. 22 يناير 2012م - احتراق منزلين متجاورين من 3 طوابق. 20 مارس 2012م - احتراق عدد من المباني المتجاورة وانهيارها. إعداد مركز المعلومات