سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التعامل السلبي مع التقنية حان الوقت لتتبع خفافيش الظلام في وكورها، ليس إقصاءً لوجودها وهتكًا لسترها، ولكن بهدف تهذيبها أخلاقيًا، ومناقشتها موضوعيًا؛ كي تعود إلى رُشدها
أحدثت وسائط التقنية الحديثة نقلة نوعية في التفاعل المُجتمعي، جراء سيطرتها بوسائلها المُتعددة على كافة المُعطيات الآنية، الأمر الذي سهّل كثيرًا من التواصل بين أفراده في جميع المجالات، إضافة إلى فتح نوافذ أخرى كسرت حاجز خطوط الحدود الوهمية التي فرضتها عُنوة استراتيجيات الاستعمار في عصوره الغابرة، الأمر الذي جعل التعامل مع هذه الوسائل شرًا لابد منه حتَّمته علينا ضرورة عدم الوقوف منها -بأي حال من الأحوال- في موقع المُتفرِّج من تداعيات هذا التطور المُذهل، والارتهان إلى الفرضية السلبية التي تصف المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية بأنها غزو فكري في سياقاته الثقافية والإعلامية، بقدر ما يدفعنا إليها وعينا إلى تهذيبها لتتواءم مع ثوابتنا العقدية وتوجهاتنا الفكرية، ونستطيع من خلالها إيصال رسالتنا المُعتدِلة بمنهجية حضارية تعكس تعاطيًا إيجابيًا للقائمين عليها والمتعاملين معها. إلا أن المُتتبع للتعاطي مع هذه الوسائط يحكم بما لا يدع مجالًا للشك أن نسبة السلبية تفوق الإيجابية في الكيفية السليمة للتعامل معها، في تغييب مُخِلٍ للغة العقل، وحضور طاغٍ لدافعية العاطفة، ويُمكن إرجاع ذلك إلى سيادة ثقافة مُجتمعية تستند على تتبع الهفوات، وتجييش الناس باتجاه اللاوعي، دون أن تؤسس لنقاش جاد يدعم توجهات إيجابية هنا وهناك يعود رَيعها بالفائدة الجمَّة على الجميع إلا ما ندر، وهذا يدخل تحت مظلة الشاذ، والشاذ كما يُقال: لا قاعدة له، فلكم أن تأخذوا عينة عشوائية مما يُطرح على وسائل التواصل الاجتماعي لتجدوا أن أغلب الطرح يجنح باتجاه التنابز الفج، والسخرية التهكمية من الرأي المُضاد، ناهيكم عن التشهير -بالصوت والصورة- بالحوادث العارضة التي تقع للأفراد دون احترام للخصوصية، وإيذاء مشاعر الناس بمشاهد لا تعكس إضافة فعلية للذاكرة الجمعية، بقدر ما تكون تسطيحًا لها على المدى البعيد. إن واقعًا مُرًا نتجاذب أطرافه صباح مساء -وعلى الملأ- لحريٌ بأصحاب الفكر والرأي الوقوف عنده، وبحث مُسبباته، ومعرفة دوافعه، وليس هذا من باب الترف الفكري، بينما يُمليه علينا خوفنا من اهتراء يدق ناقوس خطره في بُنية المُجتمع، والذي سيؤدي -حتمًا- إلى تقويضه متى ما أُهمل، لأن حجم المُشكلة يتنامى والسكوت عن إيجاد حلول جذرية لها سيُعظِّم من تلافيها مُستقبلًا. نعم -نحن- مع الانفتاح الإعلامي، وعدم تقييد الحريات، ولكنّا لسنا مع التمادي في القول والفعل بما يُرسِّخ وعيًا متدنيًِّا عن مُجتمعنا، ويُعطي مؤشرات ذات دلالات غير منطقية عن تركيبته الفكرية، بسبب فئة لا تمتلك أبجديات الوعي للتعامل مع وسائط التقنية الحديثة، مُتخذة منها وسيلة للتقريع تارة، ولتشويه الحقائق والقفز على ثوابت الدين ومُقدرات الوطن تارة أخرى. إن معالجة القصور على الأرض لا يُمكن أن يتم من خلف الشاشات الافتراضية بأطروحات تدسُّ السُّم في الدسم، ضاربة عرض الحائط بكل الجهود المُبذولة للرُّقي بهذا المُجتمع، ورسم صورة ناصعة عن دوره المحوري في مُحيطه الإقليمي والدولي؛ لذا حان الوقت لتتبع خفافيش الظلام في وكورها، ليس إقصاءً لوجودها وهتكًا لسترها، ولكن بهدف تهذيبها أخلاقيًا، ومناقشتها موضوعيًا؛ كي تعود إلى رُشدها بعد أن أغواها زيف استغلال هامش الحرية المُعطى، وجعل منها أدوات تُدار بالريموت كنترول، واُستخدمت كمعوّل هدم لا عامل بناء. [email protected] [email protected]