في عام 1973م بلغت أهمية النفط ذروتها ليتصدر الأحداث مع انطلاقة شرارة الحرب العربية - الإسرائيلية في شهر رمضان المبارك/ أكتوبر من نفس العام ليكتب التاريخ النفطي أول هزة نفطية إثر الحظر العربي للنفط على الدول التي وقفت إلى جانب الدولة العبرية وفي مقدمتها الولايات المتحدة!! كانت تلك بداية حقيقية لتبدأ مرحلة الصراع على النفط يديره لاعبون كبار، الأوبك، الدول المنتجة للنفط خارجها، شركات النفط العملاقة التي تحمل جنسية الدول الصناعية، وكالة الطاقة الدولية، التي أسستها الدول الصناعية في تلك المرحلة من تاريخ النفط، وتحديدًا عام 1974م لتقف في وجه «أوبك» مدافعة عن مصالح دولها التي تستهلك 75 في المائة من الاستهلاك العالمي للبترول، إذ أدرك العالم أن هذه السلعة (النفط) هي المحرك الرئيس للاقتصاد الدولي ولاسيما اقتصاد الدول الصناعية، وتحول النفط الرخيص قبل عام 1973م، إلى بترول غالي الثمن شحيح لابد من المحافظة عليه. لكن الأحوال تبدلت بعد هدوء عاصفة تلك الحرب لتعود أسعار النفط إلى التدني السريع بعد أن بلغت ما بين 39 و40 دولارًا للبرميل بين عام 1971 و1981م لتبلغ في منتصف الثمانينيات أقل من 7 دولارات للبرميل، إلا أن احتلال العراق للكويت أعاد النفط مرة أخرى إلى صدارة الأحداث فارتفعت أسعاره لتكسر حاجز ال(30) دولارًا للبرميل لتعود إلى الانحدار التدريجي بعد أن ضخت الدول الصناعية جزءًا من مخزونها الإستراتيجي بلغ 2.5 مليون برميل/ يوميًا لمدة خمس عشر يومًا.. ومرة أخرى ومع انتهاء أحداث عاصفة الصحراء التي حررت الكويت وتواري الحرب الباردة واستجابة أوبك (بحسن نية) لمطالب الدول المستهلكة برفع إنتاجها لحل أزمة الطاقة، بدأت الأسعار بالتدني لتبلغ عام 1998م أقل من (10) دولارات للبرميل، ورغم أن الأوبك وضعت آلية تدعم أسعار النفط لتحوم ما بين 22- 28 دولارًا بزيادة الإنتاج 500 ألف برميل يوميًا إذا تدنى السعر عن 22 دولارًا للبرميل، إلا أنه يمكن القول أن الأسعار لم تستعد عافيتها إلا مع انطلاق شرارة الحرب على أفغانستان ثم العراق لتلتهب الأسعار بدءًا من عام 2002م وتستمر في الصعود حتى كسرت حاجز 147 دولار للبرميل في يوليو عام 2008م قبل أن تعود إلى الانحدار السريع لتبلغ 33 دولارًا وتنهض الأوبك لخفض إنتاجها 4.2 مليون برميل/ يوميًا اعتبارًا من سبتمبر 2008م ليبدأ النفط رحلته نحو الارتفاع ليحوم اليوم ما بين 100 و120 دولارًا للبرميل. ولاشك أن الحروب التي دارت في الخليج العربي باحتياطيه النفطي الشاسع أكدت أهمية هذا الخليج بنفطه واستراتيجيته، وخبراء النفط والاستراتيجية متفقين على أهمية هذه المنطقة الحساسة من العالم ستزداد باعتبارها المركز النفطي الاستراتيجي بالنسبة لدول العالم غنيه وفقيره.. الأحداث اليوم في منطقة الشرق الأوسط التي بطلها إيران في صراعها مع الغرب وإسرائيل بشأن ملفها النووي الغامض وتدخلها السافر في سوريا داعمة للنظام في ذلك البلد الذي ارتكب ويرتكب جرائم غير مسبوقة ضد الشعب السوري على مدى أكثر من عام ونصف ذهب ضحيتها الآلاف من السوريين أطفالًا ونساء وشيوخًا ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين ومئات الآلاف من المهجرين.. هذه الأحداث والتوترات والصراعات في مقدمة عدم استقرار سوق النفط الدولية وارتفاع الأسعار التي تجاوزت (100) دولار، وسلة الأوبك في خاماتها ال (12) كسرت حاجز (111) دولار للبرميل، مزيج برنت (114) دولار ولم يتخلف عن الركب سوى الخام الأمريكي الخفيف (96) دولارًا للبرميل. كل تلك القفزات لأسعار النفط سببها الرئيسي المخاوف من حرب إسرائيلية – إيرانية، إضافة إلى شح الإمدادات من نفط بحر الشمال، ناهيك عن بعض الصعوبات التي تواجهها مصافي التكرير في الهند لشراء البترول الخام الإيراني بسبب العقوبات الغربية المفروضة على طهران، إضافة إلى تراجع واردات الصين من الخام الإيراني الذي بلغ حوالى 434 مليون برميل يوميًا بعد أن كان أكثر من 618 مليون برميل في شهر يونيو الماضي. المهم أن سوق النفط الدولية تعيش حالة من عدم اليقين في أسعار النفط، مادام أن هناك تهديدات إسرائيلية ضد إيران، وستبقى أسعار النفط عرضة للارتفاع والانخفاض متجاوبة مع الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في منطقة الخليج العربي رئة العالم النفطية التي تقع على بوايته مضيق هرمز الذي تهدد إيران بإغلاقه إذا ما شنت حرب عليها، وبرأينا أن المجتمع الدولي لن يسمح لها بهذا الإجراء الذي سيُعد انتحارًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا لطهران يعيدها إلى الوراء سنوات عديدة. (*) رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الإستراتيجية