فيما بيّنت موازنةُ العام 2012 - 2013 أنَّ العجزَ سيبلغُ نحو 141 مليار جنيه، فإنَّ مصرَ تخوضُ مباحثاتٍ مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار أمريكي، والذي قد يُنجز خلال الشهرين المقبلين، بعد أن تكون الحكومة المصرية قد أوفت بالشروط المطلوبة منها لجهة تخفيض الدعم الحكومي على قطاع المحروقات، وبعض السلع الغذائية، وتقليص دور القطاع العام في إدارة المؤسسات الاقتصادية، والتكفّل بتسديد القرض بفائدة 1.1 في المائة، وفرض ضرائب جديدة حتى على ذوي الدخل المحدود. وهذا يعني أن هناك مرحلةً مقبلةً لتخصيص قطاعات إنتاجية هامة، كما أن هناك كلفةً سيدفعُ ثمنها المواطنُ من خلال فرض ضريبة جديدة عليه، أو من خلال رفع الدعم عن بعض المواد التي سيزداد سعرها حُكمًا. وهذا يعني أن المواطن لم يجنِ أيَّ شيءٍ حتى الآن ممّا تمّت تسميته ب»الربيع العربي»، حيث ظنَّ المصريُّ أنه بخروجه إلى الشارع، وبإعلان ثورته على النظام السابق سيقضي على البطالة، وسيحد من الغلاء الفاحش، وسيمنع الرشوة والفساد، وسيجد مدخولاً مريحًا يعينه على تأمين متطلبات الحياة. وترافق ذلك مع وعود قدّمها الرئيس محمد مرسي في حملته الانتخابية، حيث وعد بتحقيق 64 خطوة إصلاحية، ولكنّه لم ينجز منها حتى الآن سوى ثلاث خطوات. وحتى المساعدات الأمريكية التي كانت تصل في السابق بشروط معقولة، فإنها الآن صعبة المنال، حيث هدّدت رئيس لجنة الاعتمادات والمساعدات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بالكونغرس، كاي غرانجر، بقطع المساعدات المالية عن مصر، والتي تبلغ ملياري دولار سنويًّا، إذا تراجعت القاهرة عن معاهدة السلام مع إسرائيل. ولم يبق أمام مصر سوى المملكة العربية السعودية، والتي سارعت -بدورها- إلى منح القاهرة وديعة بمقدار مليار دولار ولمدة 8 سنوات، وأذونات خزانة بمقدار 750 مليون دولار، والتعهد بتفعيل المشروعات في إطار الصندوق السعودي للتنمية بمبلغ 500 مليون دولار، كما سيتم تعزيز شراء المنتجات البترولية بمبلغ 250 مليون دولار، بالإضافة إلى منحة لا ترد للمشروعات الصغيرة. وبدورها بادرت حكومة قطر إلى ضخ استثمارات جديدة بقيمة 18 مليار دولار في قطاعات الصناعة والسياحة وإنتاج الطاقة، كما تم الاتفاق بين القاهرة والدوحة على جدول زمني محدد لاستكمال إيداع باقي قيمة الوديعة البالغة ملياري دولار، التي أعلنت قطر عن إيداعها في البنك المركزي، على أن تُسدد على ثلاث دفعات، آخرها قبل نهاية نوفمبر المقبل. وإزاء ما تقدّم يحقُّ لنا التساؤل عن حقيقة ما جرى في مصر، وعن مصير الوعود الغربية التي تدفّقت عليها أثناء نشوب الحِراك الشعبي فيها، كما يحقُّ لنا التساؤل عن دور مصر الرائد والمنتظر من قِبل الكثيرين لطالما أن هذا هو واقع حالها الاقتصادي. فهل يمكنُ لأيِّ بلدٍ أنْ يكونَ ذا مكانةٍ مُؤثِّرةٍ على الساحةِ السياسيةِ الإقليميةِ والدوليةِ وبطونُ أبنائه خاوية؟! [email protected]