يصل البعض حداً خطيراً حين يهونون من جدوى الدعاء و يتجاوزون الأدب مع الله في هذا التوجه فيقول بعضهم ساخراً ممن يدعو الله أو تعليقاً على قنوت الأئمة في المساجد و ابتهالهم لله - عز وجل – بالدعاء : الدعاء هذا اللي فلحنا فيه ... وما شابه ، في حين يحتل الدعاء منزلة عظيمة من الإسلام و قد أمر به الله تعالى و تعهد لعباده الذين يتقربون إليه بالدعاء بالاستجابة لهم ، فقال سبحانه : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 و في الآية الكريمة فضلا عن الوعد الحق بالاستجابة ، تحذير لمن يستكبر عن عبادة الله بالدعاء ، و يخشى على الساخرين من الدعاء أن يكونوا في حكم المستكبرين الذين توعدهم الخالق سبحانه بالخلود في جهنم ، فالدعاء عبادة تصرف لله خالصة لوجهه الكريم و تتضمن تمام التسليم له – عز وجل – و الثقة به و التوسل إليه و التضرع و تعلق الجوارح به ، فهي مظهر من مظاهر توحيد الله بالعبادة و إفراده بها ، و هي لشدة ارتباطها بالقلب و كمال التوكل تجلب الارتياح و الاستقرار النفسي ,و رجاء الله و دعاؤه و التذلل له لجلب النفع أو دفع الضر فيه حفظ للكرامة و ماء الوجه على عكس التوجه للناس و طلب العون منهم لضعف الطالب و المطلوب فالأول يذله سؤاله و الثاني يضيق بسؤال الناس له ، أما من يملك خزائن السموات و الأرض و يدفع الضر و هو يجير و لا يجار عليه فمنه تبدأ الأمور و إليه منتهاها . و قد أكد الإسلام في القرآن و السنة على مكانة الدعاء و فضله ، فقال تعالى : {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل 62 و قال المصطفى عليه الصلاة و السلام : " إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبين " و قال : " أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام " و قال صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" ، فلنملأ الدنيا دعاء و لنخلص الدعاء لله – عز وجل – و نلح فيه و لنربِّ أبناءنا عليه فما خذل الله من دعاه و لا تخلى عمن لجأ إليه . [email protected]