لا يتساوى التواضع والإذلال في لفظ من ألفاظ القرآن الكريم هو ( اِدخر ).. ففي قوله تعالى : (ففزع من في السموات والأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) النمل /87.. فالادخار في هذه الآية هو التواضع والطاعة. أما قوله سبحانه: (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون)، النحل: 48 ، أي صاغرون.. «فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال، أي بكرة وعشيا فإنه ساجد بظله لله تعالى (ابن كثير : تفسير القرآن العظيم، ج 3، ص 215). ومثله قوله عز وجل (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) المرسلات : 60، أي: «صاغرين حقيرين» ، (ابن كثير، ج ه، ص 379). ونحن لو تأملنا الفعل الماضي المضعف ( اِدخر ) من الثلاثي (دخر) بكسر الخاء وفتحها، لوجدنا له بعدا اقتصاديا معنويا.. ولذلك يكون تفسير «وكل آتوه داخرين» ، أي : «مدخرين ما عملوا من صالح أعمالهم في الحياة الدنيا راغبين راجين في رحمة الله.. ومما يؤدي ذلك ما يجري مجرى ما ورد في الأثر أن الله عز وجل يدخر للعبد دعوة يدعو بها فلا يعجل الإجابة له بها وإنما يؤجلها فيقضيها له في الوقت الذي يحتاجها إليه، لأنه سبحانه أعلم به من نفسه. وهذا معنى الادخار أو الاستثمار مجازا في القرآن الكريم. إن مجالات الادخار أو أنواعه الاستثمارية في عالم المال كثيرة، وهي أيضا في مجال التأول بالدعاء بآيات الله كثيرة لا حصر لها، ولكنها ليست نفعية آنية وإن كان الرزق الحسن هو الركيزة الأهم فيها.. فمن ذلك رأس المال في الإسلام، الذي يخلو من الربا.. قال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). البقرة : 278 279 .. وبالإضافة إلى رأس المال الذي دار حوله أروع حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه، حينما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس قائلا لهم: « يا أيها الناس جاءت الراجفة تتبعها الردافة، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون» ، فسأله أبي: أأجعل بعض صلاتي لك يا رسول الله ؟، قال له: «خير» ، ثم سأله : بعضها ؟، قال له: «خير» ، فأعاد: نصفها؟، فأجابه: إذن تكفى همك ويغفر لك». فبأبي أنت وأمي يا رسول الله!!، هكذا تكون الصلاة عليك وهي من الذكر بكسر الذال المشددة مرتبطة برأس المال سببا في الحفاظ عليه وسببا في التفريج عن الهم والغم..