فالدعاء منزلة من منازل العبودية ، لقوله تعالىوقال ربكم أدعوني أستجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فجعل الله عزوجل الدعاءَ عبادةً من العباداتِ بقوله سبحانهإن الذين يستكبرون عن عبادتي) والدعاء أكرم شيء على الله تعالى ؛ وقد ثبت في " السنن" من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قالالدعاء هو العبادة) وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن جدعان؟وهو عبدالله ابن جدعان، من أجواد العرب ، ومن كرمائهم المشهورين ؛ وكان رجلاً جواداً سمحاً ، كريماً في الجاهلية ، كان له داعيانِ في طرفِ مكةَ ؛ داعٍ في الشمال ؛ وداعٍ في الجنوب يقول:هلموا إلى الطعام في دار عبدالله بن جدعان ؛ ولذلك مدحه الشاعر بقوله: لَهُ دَاعٍ بِمَكَةَ مُشْمَعِلٌ وآخَرُ فَوقَ دَارَتِهاَ يُنَادِي إلى قِطَعٍ مِنْ الشيزا عليها لُبَابُ الْبُرُ يُلْبَكُ بالشُهَادي ففي "صحيح مسلم" أن عائشة – رضي الله عنها – سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:يارسول الله ؛ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المساكين ، فهل ذلك نافعه؟فقال عليه الصلاة والسلاملا يا عائشة إنه لم يقل يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين) فإن عدم التوجه بالدعاء إلى الله تعالى ؛ قد خلد ابن جدعان في النار إنه لم يقل يوماً رب أغفر لي خطيئتي يوم القيامة ؛ وهذا يجعلنا نفهم قوله تعالى: (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ، إن الذين يستكبرون عن عبادتي ، سيدخلون جهنم داخرين) ولما كان الدعاء هو العبادة ؛ كان عدمه الكفر والإستكبار ، وفي " المستدرك" من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قالأفضل العبادة الدعاء) ولما كان الدعاء عبادةٌ ؛ وجب إخلاصه لله تعالى (فادعوا الله مخلصين له الدين ، ولو كره الكافرون) وفي " السنن" من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قالليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) وقد قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أأله مع الله قليلاً ما تذكرون ) فالله عزوجل هو الذي يجيب دعوة المضطرين ؛ وهو سبحانه ملجأ المهمومين والمكروبين ، وهو سبحانه غياث المستغيثين: يا من يجيب دعاء المضطر في الظلمِ يا كاشف الضر والبلوى مع السقمِ قد نام وفدك حول البيتِ وأنتبهوا وأنت يا حيُ يا قيوم لم تنم إن كان جودك لا يرجوهُ ذو سفهِ فمن يجود على العاصين بالكرم فالدعاءُ عبادةٌ عظيمةٌ ومن أفضلِ العبادات ، ولذلك نجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ، ويستغيثون به ؛ فهذان الأبوانِ عليهما السلام يدعوان الله عزوجل ويقولانربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا ، وترحمنا ، لنكوننّ من الخاسرين) وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام في معركةِ بدرٍ ؛ يرفع يديه إلى السماء ، ويدعوا حتى سقط رداءهُ عن منكبه الشريف ، فجاءه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – والتزمه من خلفه وقال:"بأبي أنت وأمي يارسول الله ؛ كفاك مناشدتك ربك ؛ فإن الله منجز لك ما وعد ؛ فأبو بكر الصديق يشفق على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة إبتهاله ودعاءهِ وتضرعهِ ؛ فأي أمرئ منا يبتهل ويدعوا ويتضرع إلى لله عزوجل ؛ وفي حديث حذيفة – رضي الله عنه – قاليأتي على الناس زمان ، لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق) ومن الدعاء أن يدعوا الإنسان بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان يدعوا في صلاة الليل ويقول: (اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ؛ إهدني لما أختلف فيه من الحق بإذنك ؛ إنك تهدي إلى صراط مستقيم). وعليه فلا ينبغي للمسلم أن يهون من شأن الدعاء ؛ ولا أن يعتبره كما يقول بعض المتهاونين حيلة العاجز ؛ بل الدعاء عبادة ، وشأنه عظيم ، وربما صلحت حال الإنسان بسبب دعوة: أتهزأُ بالدُعَاءِ وتَزْدريهِ وما تدري بِما صَنعَ الدُعَاءُ سِهَامُ الليلِ لا تُخْطي ولكن لَهَا أَمَدٌ وللأَمَدِ إِنْقِضَاءُ o آداب الدعاء: أولاً:أن يكون الداعي على وضوء وطهارة:لما ثبت في " الصحيح" من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال:لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين ؛ بعث أبا عامر بجيش إلى أوطاس – وهي منطقة قريبة من الطائف- وبعثني معه ؛ فرمي أبو عامر في ركبته ثم مات ؛ فعدت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فدعا بإناءٍ فتوضأ ؛ ثم رفع يديه إلى السماء وقالاللهم أغفر لعبدك أبا عَامِرٍ) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح":"ويستفاد منه إستحباب التطهير عند إرادة الدعاء". ثانياً:الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه:لما ثبت في "السنن" من حديث علي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل دُعَاءٍ محجوبٌ حتى يصلى علي). ثالثاً:إستقبال القبلة:لما ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم: (إستقبل القبلة ودعا على نفر من قريش). رابعاً:رفع اليدين في الدعاء:لما ثبت عن سلمان الخير- رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قالإن الله عزوجل ليستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صِفْراً). خامساً:خفض الصوت بالدعاء:لأن رفع الصوت يعتبر من الاعتداء في الدعاء لقوله تعالىأدعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) ولما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قالأربعوا على أنفسكم ؛ إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ؛ إنكم تدعون سميعاً بصيرا) ولنا في ذلك أسوةٌ وقدوةٌ بعبدالله زكريا إذ نادى ربه نِداءً خَفِيا). سادساً:أن يبدأ الداعي بنفسه قبل غَيرهِ:لقوله تعالىربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقولهربنا أغفر ليّ ولوالديَّ وللمؤمنين) ولما ثبت في "الصحيحين" من حديث أُبيّ بن كعب – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلمكان إذا أراد أن يدعو لأحد بدأ بنفسه): يَارَبَّ! هذا دُعَائِي كَيْفَ أرْفَعُهُ إلَيْكَ وّهُوَ عَلَى الآثَامِ مَحْمُولُ لَوْلاَ التَأمُلُ فِي رُحْمَاكَ مَا انْفَرَجَتْ نَفْسٌ وَلاَ كَانَ لِلْمَلْهُوفِ تَجْمِيلُ يَارَبَّ!أَنْتَ وَلِي فَاهْدِنِي سُبُلاً إلى الرَشَادِ؛دُعَائِي فِيكَ مَأمُولُ خَفْقُ القُلُوبِ دُعَاءٌ أنْتَ تَسْمَعُهُ وَلِلْجَوَارِحِ تَسْبِيحٌ وَتَهْلِيلُ اللهم يَا وَلِيَّ الإِسلامِ وَأَهْلِهِ ثبتني على الإسلام حتى أَلقاكَ عليه. @khalidmalansary بقلم/خالد بن محمد الأنصاري عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية