يقول الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ، هذه الآية الكريمة جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم؛ حيث اشتملت على بيان ثلاثة أخلاق أساسية في التعامل؛ أولها: أن يأخذ العفو، فقال: (خُذِ الْعَفْوَ)، والعفو هو: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأقوال والأفعال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به؛ من قول حسن وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا على ناقص العقل لنقصه، ولا على الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال. وثانيها: أن يأمر بالعُرف، فقال: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)، أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ ، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية. ولما كان لا بد من تحمل أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله؛ يرشد إلى هذا ثالث هذه الأخلاق الفاضلة التي ختم الله بها هذه الآية الكريمة فقال: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، فمن آذاك بقوله أو فعله فلا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.