في كتاب التعازي والمراثي للمبرد وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أوصى أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب رحمه الله حين استخلفه فقال: إني مستخلفك، وأوصيك بتقوى الله يا عمر، إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل. واعلم أنه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة وأنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق. ويحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً. وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا. ويحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً. إن الله جل ذكره ذكر أهل الجنة بحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم فقل إني لأخاف ألا أكون من هؤلاء. وذكر أهل النار بسوء أعمالهم، فإذا ذكرتهم فقل إني لأرجو ألا أكون من هؤلاء. وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغباً راهباً لا يتمنى على على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة. فإن حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ولست بمعجزه. وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موته عبد الله بن عمر فقال: أي بني: إذا قام الخليفة بعدي فائته فقل إن عمر يقرأ عليك السلام ويوصيك بتقوى الله لا شريك له، ويوصيك بالمهاجرين الأولين خيراً: أن تعرف لهم سابقتهم. ويوصيك بالأنصار خيراً: أن تقبل من محسنهم وتتجاوز عن مسيئهم. ويوصيك بأهل الأمصار خيراً، فإنهم غيظ العدو وجباة الفيء، لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم. ويوصيك بأهل البادية خيراً، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام: أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. ويوصيك بأهل الذمة خيراً: أن تقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا فوق طاقتهم. وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال جندب: دخلت على علي بن أبي طالب أسأل عنه حين ضربه ابن ملجم لعنه الله. فقمت ولم أجلس لمكان ابنة له دخلت عليه وهي مستترة، فدعا الحسن والحسين رحمهما الله فقال: إني أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء منها زوي عنكما. قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضالع، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً، ولا تأخذ كما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى ابن الحنفية فقال له: فهمت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم. قال: أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك، وتزيين أمرهما، ولا تقطع أمراً دونهما ثم قال: وأوصيكما به فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباه كان يحبه فأحباه. وقال جندب بن عبد الله لما حضرته الوفاة: أوصيكم بتقوى الله وبالقرآن فإنه نور الليل المظلم، وهدي النهار، فاعلموا واعملوا به على ما كان من جهد وفاقة. فإن عظم بلاء فقدم مالك دون نفسك، فإن جاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك. واعلم أن المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، واعلم أنه لا غنى بعد النار، ولا فقر بعد الجنة، وأن النار لا يفك أسيرها، ولا يستغني فقيرها. ولما حضرت الوفاة عمر بن هبيرة جزع وجعل يقول: لله در البغلات المسرجات الواقفات بأبواب السلطان. والله لوددت أني كنت راعي إبل مئة لرجل سيء الملكة. ولما احتضر إبراهيم بن يزيد النخعي جزع جزعاً شديداً وجعل يقول: نفسي أعز الأنفس علي. فقيل له: يا أبا عمران، أتجزع هذا الجزع من الموت؟ فقال: وأي غرر أعظم مما أنا فيه، إنما أتوقع رسولاً من ربي إما بجنة وإما بنار.