عندما يشعر الإنسان بأن القيود المفروضة على ممارسة حريته (الشخصية) قد تجاوزت حدود الأنظمة المؤسسية وحدود القيم والمبادئ الإسلامية وحدود الحقوق الإنسانية المتعارف عليها عالميا فإن الأمر في هذه الحالة قد يفضي بذلك الإنسان الى ميدان لا يعترف بآدمية ذلك الإنسان بل ينظر إليه كقطعة من الجماد التي يمكن تحريكها بأي اتجاه كيفما يشاء مالكها .ولعل ديننا الإسلامي الحنيف قد جاء ليكفل لكل مسلم كافة حقوقه الاجتماعية والدينية والاقتصادية والشخصية كصورة سامية ناصعة من صور الحرية وحدد لكل جانب منها حكما ورد في محكم التنزيل كتوثيق صارم لوجوب الالتزام بها كقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى 0لْبَرّ وَ0لْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُمْ مّنَ 0لطَّيّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) فالحرية في الإسلام تعرف بأنها : تحرير الإنسان من كافة مظاهر العبودية الا لله سبحانه وتعالى ومن الخضوع لأحد غيره وتخليصه من قيود الوهم والخرافة وتأليه الأشخاص،وعبادة المادة وعرفت في القانون الدستوري بأنها : قدرة الفرد على ممارسة أي عمل لا يضر بالآخرين. وفي ظل تلك المعطيات الشرعية والقانونية الواضحة جداً نجد أن البعض لا يزال يتجرد منها انطلاقاً من قناعات شخصية أو تعليمات لا تستند لدليل شرعي صحيح أو مستند قانوني ثابت بل استندت الى عادات تجاوزت في مكانتها حد التشريع أو اجتهادات شخصية جانبها الصواب وان حملها مركب حسن النية لسد الذرائع وفق مفاهيم تمادت في ذلك المسلك السدي حتى بلغت حد الاختناق ولعل الأمثلة الشاهدة من واقعنا كثيرة تبدأ من تدخل الآخرين دون إذن منك في آلية مطعمك ومشربك وملبسك ومشيك وركوبك وكل حركاتك وسكناتك ونقد سلوكياتك المحمودة ومحاولة فرض شئ مما يريدونه تحت مظلة العادات أحيانا والتقاليد أحيانا او لاشئ احيانا كثيرة ثم نرى ان تلك الممارسات الخنقية تتجاوز حد الأفراد من خلال إدخال البعض لها ضمن بوتقة العمل المؤسسي كما يقوم به البعض من افراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخالفين لبعض تعليمات مؤسستهم أو يقوم بها بعض الأفراد من مؤسسات حكومية أو خاصة كاجتهادات شخصية تتعارض مع الأنظمة الكفيلة بحماية الحريات الشخصية للأفراد وخير دليل على ذلك مأساة الحادث المؤسف لإحدى العائلات بمحافظة بلجرشي الذي ذهب ضحيته رب الأسرة والبقية منهم في مرحلة الخطر نتيجة لتصرف ارعن يعد تدخلا سافرا في حرية شخصية لا يطال ضررها أي فرد آخر أدت الى مطاردة بشعة لامكان لها في مثل تلك الحالات ولمثل هذا الحادث سوابق كثر وسيعقبها لواحق اكثر ان لم يلتفت اليها . ان ملك الإنسانية عودنا دائما أن يكون الأب الحنون الحريص على احترام كرامة المواطن وتوجيهاته المتتالية حول هذا الأمر خير دليل ومن بعده ولي عهده الأمين الذي عرفنا عنه حرصه الشديد على عدم المساس بالحريات الشخصية لابنائه المواطنين وحزمه الشديد لمعاقبة كل من تسول له نفسه المساس بذلك المبدأ القويم .وبما ان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشاركة في تلك المطاردة لها سوابق بهذا الخصوص ادى البعض منها الى إزهاق أرواح بريئة قام بها بعض أفرادها مخالفاً لتعليمات قادتها الواضحة جداً في هذا الجانب لذا أتمنى أن تتسع صدور القائمين عليها للإجابة الشافية على التساؤلات التالية : - نعلم ان أول من مارس الحسبة في التاريخ الإسلامي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يمشي في الأسواق وينهى عن الغش والتطفيف في الكيل والوزن وحول هذا الجانب قال صلى الله عليه وسلم ( من غشنا فليس منا) مخاطباً التجار وسار على هذا النهج صحابته رضوان الله عليهم فلماذا اختزل هذا النظام العظيم في جانب السلوكات فقط وأهمل الأصل. - عرف بعض علماء التفسير المعروف بأنه الحلال وأن المنكر هو الحرام وكما نعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ ) فلماذا اختزلنا الدور الأكبر من مهام الهيئة في البحث عن المتشابهات ؟