مع تقدم الإنسان في العمر، تتغير اهتماماته وتوجهاته. تلك حقيقة لا مراء فيها. ومع تقدم العمر تبدأ مرحلة جديدة تختلف كثيرًا عن مرحلة الشباب، ولنضرب لذلك مثلا بالموظف في مقتبل حياته الوظيفية التي يبدأها عادة في أول السلم الوظيفي الذي وُضع متناسبًا مع مؤهلاته وقدراته وخبراته. عندها سيبذل صاحبنا كثيرًا من جهده ووقته في محاولة لإثبات جدارته وسبق زملائه، بل ربما انتقل إلى جهة أخرى ذات حوافز أفضل. وعندما يتقدم العمر بهذا الموظف نفسه تتبدل الاهتمامات إذ يتضاءل الاهتمام بالسبق الوظيفي بعد استقرار نسبي مادي ومعنوي. ومع تقدم السن يهتم الفرد بتحلله من المسئوليات الكثيرة التي كانت تكبلّه، مثل الأبناء في صغرهم، اذ تتطلب رعايتهم عناية أكبر مع ما يصاحبها من قلق قلة ذات اليد أملا في تحقيق رغباتهم أو الارتقاء بمستوى تعليمهم. عندما يكبر الصغار وتنتقل المسئوليات إلى أطراف أخرى يبدأ الشعور بالحرية أكثر استغراقًا للفرد رغبة في الاستمتاع بها والتجول في ميادينها. إنها الاستقلالية المتأخرة، لكنها استقلالية ممتعة، قد تتوفر في الصغر لكن بحدود كثيرة فعلية ووهمية. إنها استقلالية الحركة، واستقلالية القرار غير المرتبط برغبات الأبناء، ولا بحواجز العمل المرهق، ولا بمتطلبات الحياة الكثيرة. هذه الحرية والاستقلالية هي بيت القصيد. وهي التي يتخوف المرء عند تجاوزه الستينات من فقدها بسبب مرض مقعد أو فقر مدقع أو إهمال يلقي به في غياهب دور الرعاية المخصصة للمسنين (إذا وُجدت) أو في أتون الأربطة أو داخل أسوار المستشفيات. ولهذا شدّد ديننا الحنيف على أهمية رعاية (الكنزين النادرين).. الأم والأب عند كبرهما وربما عجزهما. وحرّم التذمر منهما ولو بأف صغيرة. ولو علم الابن والابنة عظم فضل والديهما لما سمعنا عن حالات من الإهمال والإعراض يتعرض لها بعض الآباء والأمهات، فهذا العجوز أو تلك العجوزة ملقاة في المستشفى لا يسأل عنهما أحد أو هما في رباط خيري لا يزورهما أحد. عند الكبر يريد كلاهما استقلالية تمنع عنهما الشعور بالعجز، فضلاً عن الشعور بالإهانة والتقريع. اللهم ارزقنا بر آبائنا وأمهاتنا أحياء وأمواتًا. [email protected] [email protected]