ما تناقلته مصادر الأنباء أمس حول استعداد بريطانيا والولاياتالمتحدة للعفو عن الرئيس السوري بشار الأسد إذا وافق على الانضمام إلى مؤتمر للسلام يعقد في جنيف تحت رعاية الأممالمتحدة لبحث انتقال السلطة في سوريا، هذا الطرح ينطوي على خطورة بالغة، كونه يعكس توجه دولي جديد لحل النزاع بعيدًا عن خطة كوفي عنان للسلام، ومن شأنه - بهذه الصيغة الجديدة للحل - أن يخلَّ بمصداقية الأممالمتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب ترسيخه لموقف أممي غير مسبوق يتيح العفو عن مرتكبي جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية بما يشكل ظاهرة جديدة يمكن أن تشجع على انتشار هذا النوع من الجرائم ضد الإنسانية. لابد من الملاحظة أن هذا التطور اللافت في التعامل مع الأزمة السورية جاء بعد القمة الروسية - الأمريكية، وهو ما يحمل معه دلالات واضحة على أن هذه الأزمة دخلت طور المساومة. المطلوب من الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة وروسيا، إذا كانت راغبة حقًا في إنقاذ عشرات الأبرياء ومئات الجرحى من أبناء الشعب السوري الذين يسقطون بشكل يومي في سوريا العمل بجدية أكبر وبمقياس أخلاقي يتناسب مع دورهما ومكانتهما ومسؤوليتهما الدولية لوقف حمام الدم في سوريا، من خلال إجراءات عاجلة حاسمة وحازمة أقلها إيجاد ممرات آمنة تتيح التنقل الآمن للمدنيين وقوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وضرورة فرض هدنة لإجلاء ومساعدة المحتجزين والمحاصرين والجرحى، إلى جانب العمل على تعزيز مهمة كوفي عنان، بشكل يتيح للأسرة الدولية التأكد من أن أطراف النزاع تطبق خطة السلام بحذافيرها. إنَّ مسألة العفو عن الرئيس الأسد الذي أراقَ دماء الآلاف من أبناء شعبه قتلاً وتعذيبًا وتنكيلاً بما في ذلك الأطفال الأبرياء، ودمر عشرات المدن والقرى في بلاده، وبدد الممتلكات والمكتسبات والإنجازات التي أمضى الشعب السوري عقودًا طويلة وبذل جهودًا مضنية لتحقيقها، هذا العفو ليس بيد أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا، فالشعب السوري وحده، الذي دفع - ولا يزال يدفع - ثمنًا باهظًا من أجل تحقيق حريته، هو وحده من يملك هذا الحق.