•(كاترينا جونز) شابة انجليزية ناشطة في مجال حقوق الأطفال..أرادت الاسترخاء أثناء عودتها بالقطار بعد يوم حافل ،فوضعت قدميها فوق المقعد الذي أمامها ! .. لم يدم استرخاؤها طويلاً ، فقد فاجأها مشرف القطار بقوله :» من المعيب جداً أن تتلفي المقاعد بهذه الطريقة، لقد أنفقنا (30 ) مليون جنيه لإعادة تأثيث قطاراتنا، هذا تصرف غير لائق « .. و رغم اعتذار ( جونز )، إلا أنها قُدمت للمحاكمة بتهمة إتلاف الممتلكات العامة، و السلوك غير الحضاري.! . • قصة كهذه قد تبدو غير قابلةٍ للتصديق في مجتمعاتنا الشرقية .. لا لشيء إلا لأن ما فعلته (جونز) لا يُعتبر بحسب مفهومنا السائد جريمة تستحق المحاكمة .. فهذا السلوك بل و اكبر منه بكثير بات من الأمور ( العادية جدا) التي تمارس أمام أنظارنا يومياً دون استنكار أحد ! . •هل سبق لك أن أنكرت على موظف تعطيله لمصالح الناس فقيل لك : ( أنت وش حارق رزّك .. عادي جداً ..كل الموظفين كذا ) ! .. هل أنكرت على مقاول تلاعبه بالمواصفات و بحياة المواطنين فقيل لك أيضاً : ( يا أخي عادي.. شطارة ) ! .. هل استفزك إهمال مستشفى يتاجر بآلام و أرواح الناس ..فطرقت سمعك نفس الكلمة الصادمة ! .. هذه الأجوبة المعلّبة - يا سيدي - هي ما أنتج لدينا حقوقا ضائعة بيننا، وموظفين فاسدين ..و أطباء بلا أخلاق ، و تعليما بلا مخرجات حقيقية.. فضائيات تتاجر بالمتع الرخيصة.. فمعظم الأخطاء أصبحت في عرف المجتمع شيئا ( عاديا جداً ) لا تستحق أدنى التفات .. يعني بالعربي (كبّر دماغك .. ومشّي حالك، واترك عنك اللقافة ) !. •سأعود بكم إلى بريطانيا مرة أخرى لأنقل خبراً آخر عن تنظيم مجموعات من الشعب لمسيرات ومظاهرات لصرف الناس عن حضور حفلات فرقة بريطانية كل جريمتها أنها متهمة بالتهرب من دفع الضرائب للحكومة .. لم ( يكبر البريطانيون دماغهم ) و( لم يخشوا على رزهم من الاحتراق) ، ولم يعتبروا هذا التصرف أمراً عادياً .. بل اعتبروه جريمة أخلاقية في حق الوطن يستوجب التشهير والمقاطعة والمحاكمة! ..هكذا تتعامل الشعوب الحية مع المقصرين .. فالحرية هناك ليست مطلقة كما يعتقد البعض ، بل مشروطة بالمسئولية و احترام النظام والقانون . • مشكلتنا ليست في وجود المخالفين والمقصرين ، فوجودهم أمر طبيعي في كل المجتمعات ، لكن المشكلة عندما يصبح الخطأ نمطاً وسلوكاً شائعاً ، تبرره القناعة الجمعية التي لا تدرك خطورة هذا التحول على المدى الطويل.. فتتحول كلمة (عادي) إلى تعبير شائع يستخدم لشرعنة الخطأ والتستر عليه ! . •بعيداً عن ( اللقافة ) وعن ( الرز المحروق) أتساءل : لماذا لم نعد ننكر السلوكيات الشاذة والمنحرفة ؟ هل يعود السبب إلى شيوعها مما يوقع في النفوس أُلفةً تصبح معها هذه التجاوزات أمراً عادياً ؟! .. أم أن السبب يعود إلى أنها أصبحت من اللمم الذي يمكن غض الطرف عنه بالنظر إلى ضخامة حجم القصور المحيط ؟! .. أم أننا بالفعل لم نعد قادرين حتى على اضعف الإيمان؟! . •أصدقكم القول .. أياً كانت الإجابة، فإنها لم تعد تهمني .. فالأمر بالنسبة لي أصبح عاديا.. بل و أكثر من ( عادي ) !! . [email protected]