في مقالٍ سابق أكدتُ على أهمية إنشاء الجامعات المتخصصة في المملكة، وذلك بعد أن تجاوز عدد الجامعات «الشاملة» ما يزيد على الخمسة وثلاثين جامعة بين حكومية وأهلية. وبيّنتُ بأن الجامعات المتخصصة تعتبر في المملكة ضرورة استراتيجية، لأنها سوف تنقل التعليم الجامعي إلى تعليم مُتخصِّص مُتعمِّق، ويحمل الصفة «التطبيقية» ويرتبط بسوق العمل حقيقة لا مجازًا. لكن سيظهر حينها سؤال مُقلق وكلفة الإجابة عليه باهظة، وهو: هل سننشئ جامعات أخرى كتلك القائمة فعليًا مثل جامعات الصف الأول؟ وهل سننفق عليها بين 3 - 8 مليارات ريال لكل جامعة إن لم يكن أكثر..؟ وللحقيقة فإن تلك الإجابة سوف تصرف من سيُفكِّر في تحويل حلم «الجامعات المتخصصة» إلى حقيقة عن السير قدمًا في ذلك. لقد شهدنا إنشاء العديد من الفروع لكل جامعة من الجامعات الحكومية وتحولها إلى جامعات مستقلة «شمولية» مع مرور الوقت، وبقي العديد من الفروع الحالية فروعًا بمعنى الكلمة، «وليس الأصل كالفرع» أبدًا، وهي في معظمها كليات «للتربية والعلوم والآداب»، وفي نظري ليس هذا منتهى طموح وزارة التعليم العالي. إنني أقترح تحويل عدد من تلك الفروع إلى جامعات متخصصة بحيث ينتهي بنا الأمر -مثلًا- إلى وجود 4 جامعات تقنية/ هندسية، وجامعتين زراعية، وجامعتين تربوية، وخمس جامعات طبية. وأربع جامعات مالية وإدارية.. كمثال، على أن توزع تلك الجامعات جغرافيًا على المدن الصغيرة على مستوى المملكة. إن إنشاء تلك الجامعات المتخصصة في مدن مثل القنفذة والعلا وحفر الباطن وتربة وشمال جدة ورابغ... وغيرها، سوف يُحقِّق العديد من المزايا، فلسوف تتحول تلك المدن إلى منارات لعلوم متخصصة، وتصبح قبلة علمية كما هي جدة والرياض والدمام، وستُخفِّف العبء السكاني عن المدن الكبيرة، وسوف تُحدث تغييرًا ديموغرافيًا إيجابيًا، ولن يكون طلاب فروع الجامعات «الطرفية» من تلك المنطقة فقط، بل ستتحول مدينتهم إلى قبلة لكل أبناء المملكة المحبين لذلك التخصص، الذي لا يوجد إلا في مدينتهم الصغيرة، وسيكون لوزارة التعليم العالي الدور الريادي في تفعيل مفهوم التطوير «الخلاق» في بلد العطاء من خلال استحداث «الجامعات المتخصصة» بديلًا لعدد من «فروع الجامعات» في تلك المدن الصغيرة.. وبالله التوفيق. [email protected]