جدل واسع يفرض نفسه الآن في قلب عالمنا الإسلامي مع بزوغ ما يمكن ان نسميه الربيع العربي ومع نجاح التيارات الإسلامية في الانتقال من مربعات الملاحقة الى سدة السلطة وطرح الإسلام كبديل حضاري برؤية جديدة تختلف عن الرؤية الغربية التي فرضت نفسها على الواقع العالمي لما يمتد لقرنين من الزمان. الطرح الإسلامي حمل معه إشكاليات كثيرة كلها تدور في فلك يرتبط اول مايرتبط بالرؤية الاسلامية الصحيحة التي يمكن ان تحمل المشروع الاسلامي كمشروع حضاري بديل أوفد للمشروع الغربي ومجالات الاخذ والرد في هذا الموضوع كثيرة ومتشعبة تمتد بقدر ما تمتد للواقع الاسلامي واشكالياته المتعددة وصنوف الحياة فيه والوانها وتحمل في طياتها هذا الزخم الهائل من تباين الرؤي واختلافها وتعدد الافكار وتنوعها وحجم ومساحة الاقتراب او الابتعاد من الرؤية الاسلامية الجامعة للفكر الحضاري الاسلامي الا ان ذلك يصب في النهاية في دائرة المنتمين للاسلام المتعطشين اليه والمتطلعين لحضارته ان تعود وتسود لنصرة الرؤية الايمانية بوجود الله الواحد وان قانونه اعز واشمل من كل قانون وضعي. وفي المقابل هناك رافضون للرؤية الاسلامية يتهمون بمنطق التفريق بين الدين والواقع معتبرين ان مجئ الاسلاميين مرة اخرى ماهو الا عودة للماضي وفرض لنوع جديد من الديكتاتورية التي تفرض نفسها على العباد باسم الله والدين وهو منظور استقاه اصحابه من الرؤية الغربية التي فصلت الكنيسة عن الواقع وغلبت الرؤية البشرية على قانون السماء وفارق كبير ان ننظر الى الموضوع الذي نطرحه اليوم حول عصرنة الاسلام او اسلمة العصر من الرؤية الاولى التي تحتاج لنقد ذاتي واجتهاد فقهي وتأمل في الواقع الاسلامي لتصحيحه وان ننظر بالرؤية الثانية التي تستبعد الإسلام وتعتبره عدوًا للتطور ومواجهة سلبية مع الواقع فهل نحن نحتاج فعلا لعصرنة الإسلام ام لاسلمة العصر؟!. العلماء يرون اننا بحاجة الى الاثنين معا اسلمة العصر وعصرنة الاسلام واذا كانت اسلمة العصر مفهومة بمعنى طرح الرؤية الاسلامية كبديل حضاري فان العلماء يرون ان عصرنة الاسلام بمفهومها الاصيل لا تعني لي عنق الاسلام ومفاهيمه واحكامه للواقع والعصر ولكن الانطلاق من الثوابت الاسلامية والاجتهاد الفقهي والانتقال من الماضي رؤية عصرية تحقق مفاهيم الاسلام التي تتقابل مع كل عصر وزمان انطلاقا من صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان وان القضية ترتبط في اساسها ليس بالاسلام ولكن باجتهاد المسلمين لفهم دينهم وفق رؤية العصر وما يحتاج اليه. الجدل العقيم الدكتور أحمد كمال أبوالمجد المفكر الاسلامي المعروف يرى ان الحديث عن عصرنة الاسلام او اسلمة العصر هو موضوع جدلي في أساسه بين اصحاب الرؤية الاسلامية وبين اصحاب الرؤى الاخرى ويقول: اذا نظرنا الى هذا الموضوع من هذه الزاوية فلن نسلم من الجدل الذي قد يكون عقيما ولكن اذا اخذنا الموضوع من الزاوية الحضارية الاسلامية فان من الواجب ان ننظر الى ما نسميه باسلمة العصر بمفهوم اعادة الطرح الحضاري للاسلام ليكون موجودا بقوة وهذا لايستوجب مزيدا من اتهامات الاخر بقدر ما يستلزم نقد الذات والوقوف عندها ودعوة الأمة الإسلامية إلى التعاون لاستعادة قوتها ونهضتها وريادتها بين أمم الأرض في هذا العالم الذي لم يعد يعترف بغير الأقوياء فالنهضة ليست مجرد أمنية يتمناها الإنسان فتتحقق، كما أن أسبابها ليست سرًا يستعصي على المسلمين الوصول إليه. ويضيف : العالم شهد في السنوات الأخيرة سلسلة متصلة من التغيرات الكبرى في ميادين العلم والصناعة، وفي موازين القوى السياسية والاقتصادية بين شعوب العالم ومن ثمَّ تعالت الصيحات، وانتشرت التساؤلات عن طبيعة العلاقة الجديدة التي ينتظر أن تربط المسلمين بسائر الناس في هذا العصر الجديد وما يسمى بالربيع العربي جزء من هذه التغيرات المتلاحقة وعكف الباحثون من العلماء على دراسة الشروط اللازمة لدخول المسلمين في هذا العصر الجديد، وكذلك عكفوا لإحداث تغيير نوعي في أوضاع المسلمين يضمن لهم مكانة لائقة بين شعوب الدنيا، ويحفظ عليهم هويتهم الثقافية والحضارية، كما يوفر الحماية لمصالحهم الاقتصادية والسياسية. ويؤكد أبو المجد أن المنهج الوحيد الصحيح في معالجة هذا الأمر هو منهج رصد عناصر الواقع في دقة واستقصاء، وفي موضوعية وشجاعة، واستخدام هذا الرصد بعد ذلك في تغيير واقع الأمة التغيير اللازم لتحقيق نهضتها وزيادة قدرتها على مشاركة سائر الأمم والشعوب في مسيرتها نحو العصر الجديد الذي تتغير كل يوم معالمه وهي مسيرة تتسابق فيها الأمم بالقدرة وسرعة الحركة وقوة الفعل، ولا يجدي فيها مطلقًا أي حديث عن ماض مجيد، أو وعد إلهي بالنصر نعلم جميعًا أنه وعد مشروط باتباع السنن والأسباب وربط الكلمة الطيبة بالفعل المؤثر. وقال ان ذلك يقتضي أن نضع أيدينا في وضوح تام على جوهر التغيرات الحادة التي تحدث، والتي من شأنها أن تجعل من المستقبل القريب عالمًا جديدًا يحتاج الناس جميعًا ونحن المسلمين منهم إلى أن يتوافقوا معه، ومع عناصره الجديدة. كما ينبغي أن نرصد واقع المسلمين بخيره وشره ما نحب منه وما نكره، لنصل من ذلك كله إلى توجيه مسيرتنا نحو تغيير واقعنا، استيفاء لشروط النهضة، واستشرافًا لمستقبل أكثر إشراقًا تستطيع فيه الأمة أن تؤدي دورها الحضاري الذي بعثها الله لأدائه، وهو دور ترشيد حركة الناس والشعوب بقيم الحق والخير والعدل التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى إلى رسله، والتي توجتها الرسالة الخاتمة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هذا واقعنا ويضيف الدكتور ابو المجد: ينبغي أن نواجه أنفسنا بصراحة، وأن نتعامل مع واقعنا بمصداقية، فما أحوجنا إلى التخلص من مختلف السلبيات التي تعوق مسيرة انطلاق المسلمين لمواكبة التغيرات العالمية المتسارعة ومن الصراحة والمصداقية أن ندرك أن المسلمين يواجهون أزمات ثلاث هي: أولًا: في مجال التقدم العلمي والاقتصادي أمة مسبوقة، لم تسهم خلال السنوات المئة الأخيرة إسهامًا مذكورًا في النهضة العلمية التي تسارعت خطاها في الغرب، والتي أثمرت ثورات علمية وصناعية ظلننا نقنع بالتحدث عنها، والتفرج عليها دون أن يكون لنا فيها دور مذكور ولا تزال أمتنا أمة مستوردة، وأمة مستهلكة لا هي منتجة، ولا هي مصدرة ومازلنا نعتمد في غذائنا وكسائنا ودوائنا وسلاحنا على ما تنتجه وتبيعه لنا أمم أخرى، تتحكم بذلك كله في مستقبلنا ومصيرنا. ثانيًا: إن المسلمين وأرجو ألا تغضب صراحتي أحدًا أمة منقسمة على نفسها، لا تكاد تجمع أمرها على شيء، ولا تزال الوحدة مطلبًا يتحدث عنه الكتَّاب والساسة، ويكذِّبه الواقع المعاش، ويزداد كل يوم تنكرًا له، وابتعادًا عنه. ثالثًا: إن المسلمين في الغالب يعانون حيرة ثقافية هائلة، وتتوزعهم تيارات الجمود والرتابة، والوقوف عند ظواهر النصوص وتقليد الأقدمين، وتيارات التجديد، ومحاولة التواصل مع العصر عن طريق تجديد الفكر، ومتابعة الاجتهاد في الفقه، واتساع العقول والصدور للإفادة من تجارب الآخرين. ويتابع الدكتور أبو المجد قائلًا: لا تزال الساحة الثقافية مشغولة، بما يشبه الحرب الأهلية بين دعاة الجمود والتقليد، ودعاة الاجتهاد والتجديد وهي حرب تستهلك طاقة الأمة، وتكاد تقعد بها عن الحركة، وتحول بينها وبين التوجه للمستقبل، ومواجهة تحدياته المقبلة التي توشك أن تدق على الجميع الأبواب. وقال: إن النهضة لها شروطها ومن أهم شروط تحقيق النهضة إعلاء شأن العقل من جديد في ثقافة المسلمين، بل في حياتهم كلها. فالمؤسف أن بعضهم غيَّب العقل عن ثقافتنا وعن حياتنا اليومية، ومن ثمَّ انتشرت بيننا نوع من الغيبة التي لا أصل لها في ديننا، وتصور كثير من الناس أن النقل يغني عن العقل، وأن النصوص وحدها قادرة على تحقيق النهضة، والتقدم العلمي والتكنولوجي، وذلك وهم لابد من محاربته حتى تعاود الأمة انطلاقها على طريق النهضة، واستعادة ريادتها العلمية بين مختلف أمم الأرض. ولا شك في أن شعوب الأرض في عصرنا هذا أصبحت تدرك عن يقين أن العلم أصبح معيار التقدم، وأساس تصنيف الشعوب إلى شعوب قوية وأخرى ضعيفة، وكذلك إلى شعوب متقدمة وأخرى متخلفة كما أن العلم صار أكثر قيمة وفاعلية، بما يجلبه من المواد الأولية والمواد الخام، ومن الأسلحة التي تكسب بها الحروب. ومن هنا تبرز أهمية تطوير الأنظمة التعليمية والإعلامية والثقافية بما يعيد للعقل سلطانه، فذلك هو الشرط الأول من شروط تحقيق النهضة إذا كنا جادين في ذلك. كما يجب على أمتنا أن تتجه إلى العمل الجاد الذي كان، ولا يزال، شعارًا لحضارتنا الإسلامية، والقرآن الكريم يهتف في المسلمين صباح مساء: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنت تعملون) المأسوف له أن واقع أمتنا يؤكد تراجع قيمة العمل في حياة المسلمين تراجعًا هائلًا في كمه ونوعه، وفي إتقان أدائه. ولا يخفى أنه من متطلبات نجاح العمل في الإسلام حسن الأداء والإحسان والإتقان، لأنه لا يمكن أن يثبت في ساحة المنافسة أي عمل غير مجوَّد، ولا أداء غير متقن، فالله عز وجل قد كتب الإحسان على كل شيء ومن أهم شروط النهضة أيضًا إطلاق النفوس من إسارها، وتحرير الملكات من قيودها، وتوفير الحرية للإنسان المسلم في كل حياته. الامتحان الصعب ويرى الدكتور محمد مورو رئيس تحرير مجلة المختار والمفكر الاسلامي المعروف ان الحديث الدقيق يجب ان يكون عن عودة الفكر الحضاري الاسلامي مع بروز الربيع العربي وعودة الحرية الى الانسان العربي المسلم ففي ظل الحرية ينمو الاسلام لأنه دين الفطرة ومن ثم فإن الحديث عن عصرنة الاسلام او اسلمة العصر لا يجب ان تكون في اطار النطاق الجدلي غير المفهوم الذي يتحدث به بعض المغالين ضد الاسلام ولكن يجب ان يكون وفق رؤية اسلامية تستند للبعد الحضاري للاسلام وان الاسلام وضع موضع الرفض من قبل الحضارة الغربية الوضعية وحورب فكريا وعقائديًا لقرون ممتدة ومن ثم فإننا يجب ان نتحدث الآن عن الفرصة السانحة لاستعادة المجد والحضارة الاسلامية ليس بغرض الهيمنة ولكن بغرض اساسي وهو طرح فكر الوسطية الاسلامية التي يميز الله بها امة الاسلام فالمسؤولية التاريخية لأمتنا هي الشهادة على الناس، ومن ثَمَّ فإن المسؤولية للفرد والجماعة والحركة والحزب، هي تحقيق أفضل الشروط لإنجاز مهمة الشهادة. ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أدى واجب الشهادة علينا، وأن علينا أن نكون شهداء على الناس؛ (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). ويقول: إن واجب الشهادة يقتضي إقامة الحجة على الناس، وذلك بتحريرهم من الاستبداد السياسي، والظلم الاقتصادي، والتعصب الاجتماعي، ثم إبلاغهم بالإسلام، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أي تحقيق حرية الاختيار برفع العوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإذا كان تصرفٌ ما يؤدي إلى عكس هذا المفهوم، فإنه مرفوض، حتى ولو كان ظاهره النصر والتمكين؛ لأننا نريد النصر والتمكين لإقامة الحجة على الناس بعد "تحريرهم"، وليس الاستبداد بهم مثلًا. ويضيف إذا كانت الثورات العربية هي فرصتنا التاريخية في التواصل مع العالم لتحريره من الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي، وإذا كانت تلك الثورات قد دفعت بالاتجاه الإسلامي إلى سدة الحكم أو قريبًا منها، فإن علينا ألا نبتلع السم، وألا يكون التمكين هنا طريقًا إلى العكس؛ بمعنى أن تتورط الأحزاب والقوى الإسلامية التي نجحت في الانتخابات والتي حظيت بثقة الناس، في المشاركة في إعادة بناء الرأسمالية، التي تتهاوى في العالم كله. ومن ثَمَّ فإن المطلوب أن يكون الإسلام والحركات الإسلامية هي رأس الرمح في الثورة العالمية التي ستندفع حتمًا ضد الرأسمالية؛ لأن هذا أولًا واجب الوقت، وثانيًا لأن الإسلام هو البديل الحقيقي والوحيد في العالم لإصلاح أحوال العالم الاقتصادية وتحقيق فكرة العدل الاجتماعي؛ لأن الماركسية فشلت، ولاهوت التحرير المسيحي فشل، لأسباب تتصل بكونها خرجت من نفس الأرضية الحضارية التي أفرزت الرأسمالية. ويرى الدكتور مورو انه لحل هذه المعادلة يجب استخدام طرق من خارج المنظومة، والإسلام يصلح كجذر عالمي للثورة على الرأسمالية؛ لأنه من خارج المنظومة الحضارية التي أفرزت الرأسمالية، ولأنه ذو خطاب عالمي، ولأنه منحاز للفقراء والمستضعفين. ومن ثَمَّ يصبح الإسلام أيديولوجية وليس دينًا فقط - للفقراء والمستضعفين من أي دين وجنس ولون. هذه فرصة تاريخية إذا أضاعها المسلمون، فإن تقصيرهم يصبح واضحًا. ويؤكد الدكتور مورو على وجود فارق كبير بين من يتحدث عن عصرنة الاسلام برؤية اسلامية ومن يتحدث عنها برؤية عدوانية تستند في الاساس الى رفض الاسلام وايضا بين من يتحدث عن اسلمة العصر بالمعنى التقليدي وبين اسلمة العصر بالمعنى القرآني "لتكونوا شهداء على الناس" فعودة الاسلاميين لاتعني اقصاء الاخر او فرض الاسلام قسرا على الناس ولكنه يعني اقامة دولة مدنية ليست بالمفهوم الغربي ولكن بمفهوم التعددية واحترام الثقافات والديانات الاخرى وتغليب حق الإنسان في الحرية ونيل حقوقه وأن يظل الاسلام دين السماء الخاتم هو النظرية القابلة للتطبيق لإصلاح الكون والحياة وهذا يقتضي أهمية وعي المسلمين بالمرحلة وبما تستوجبه من فروض وايقاعات تتطلب مزيدا من الاجتهاد والوعي بالعصر وسد الثغرات والسلبيات والاخطاء الموروثة والنظر بشمولية للاسلام وتقديم الاسلام الوسطي والصحيح للناس ولانعني حين نتحدث عن الاسلام الحديث عن الاسلام الدين فقط ولكن الإسلام بمفهومه الحضاري الذي يستوعب الجميع في عباءته فنحن مطالبون بتقديم البديل الأفضل لمواجهة النظريات الاخرى فالمسلمون في امتحان صعب ويجب ان يبذل الجهد الجهيد لإخراج حقائق الإسلام الى الوجود اجتياح العالم ويرى الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق أن ما يحدث الآن نتاج طبيعي وتاريخي للصراع بين الفكر الوضعي والفكر الرباني الذي أتى به الاسلام وهو صراع حضاري بين الرؤية الغربية والرؤية الاسلامية ومن ثم فإن الجدل الفكري يحمل معه أطروحات مختلفة ولكن الحديث يجب أن يكون عن وضعية الاسلام ووضعية المسلمين في مواجهة هذا التحدي الحضاري خاصة مع موجة الحريات التي تسود العالم الاسلامي ومع غلبة اصحاب الرؤي الاسلامية في الانتخابات في عدد من الدول والحقيقة ان العصر لا يحتاج الى اسلمة والاسلام لا يحتاج الى عصرنة بمعنى أن المسلمين موجودون بكثرة ولايحتاجون لاجتياح العالم واسلمته بقدر ما يحتاجون لإعمال الإسلام الصحيح في حياتهم ليكون طوق نجاة لهم وفي المقابل الإلمام بما يحتاج للعصرنة ولكن يحتاج الى اجتهاد فقهي واسع وإعمال العقل في فهم النص وترقية قيم الاسلام السمحة وتطبيق نظرياته ورؤاه التي تقوم على الحق والعدل والمساواة وحرية الإنسان في الاعتقاد والعيش والأمن والعمل فاحياء قيم الاسلام هي عصرنته وارساء قواعده هي اسلمته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فلا يجب ان يؤخذ هذا المفهوم او ذاك بمنطق العصور الوسطى التي تكرس العداء والخلاف البشري ولكن ما يتوجب فعله هو تأكيد ان الاسلام رسالة عالمية ورؤية حضارية متميزة تقوم على الوسطية التي لاغلو فيها وتقوم على العدل والحرية ويجب ان يترجم المسلمون هذا بشكل عملي وان يخرجوا تلك القواعد والنظريات الاسلامية التي ظلت حبيسة الادراج ليشهدها العالم كله ولم يعد الأمر مجرد خطب ووعظ بقدر ما أصبح ممارسة وتطبيقًا وبدائل إسلامية حقيقية يجب أن يراها الجميع في أرض الواقع ومن الخطأ أن يحاول البعض بتر الواقع والحاضر عن الماضي بمعني ان صنع أي حضارة يقوم على اجتهادات الحضارات السابقة كما فعل المسلمون الاوائل حين بنوا حضاراتهم مستفيدين من توجيهات الاسلام ومن عطاءات الحضارات السابقة ومن ثم اذا كانت الحضارة الغربية بها سلبيات فيجب ان نطرح ما يصحح هذه السلبيات لنقدم النموذج الافضل في اطار من التواصل والتدافع الحضاري والبشري لاعمار الارض والا يفهم الامر في نطاق ضيق يضيق على المسلمين فهمهم الاوسع للاسلام. فهناك فرصة سانحة الان لتقديم البديل الاسلامي في إطار نيل كثير من المؤمنين بالاسلام ونظريته الحياتية لحريتهم ويجب ان يستفيد المسلمون من هذا المناخ الجديد لتقديم نموذج حضاري يرقى لرقي الاسلام وشموله وهذا يستوجب مواجهة كثير من التحديات والإشكاليات التي عانى منها المسلمون كثيرا مثل قيم العلم والعمل وإعمال العقل والبناء الاقتصادي والتنمية ومعالجة الفقر والتفاوت الطبقي وغيرها من الاشكاليات التي إن صحت معالجتها فإن النموذج الاسلامي سيكون محل اعتبار حضاري لدى المسلمين ولدى الأمم الاخرى.