الدكتور محمد مورو صاحب المائة كتاب أو يزيد والكاتب الإسلامي المعروف وأحد دعاة ما يمكن أن نسميه الحداثة الإسلامية، التي تعتمد العقل وتستشهد بالواقع، ولا تركن إلى التاريخ جملة فتقف عند مرحلة منه تتغني بها، بقدر ما يقرأ التاريخ للمستقبل، ويستقي من ثوابت هذه الأمة ما يصنع مجدها، وبالأولى هو كاتب ذو رؤية يجب أن ننصت إليها في ظل الجدل الصاخب الذي تدور به الدوائر في أمتنا، وينتصر كل إلى رأيه ومذهبه دون أن تكون هناك رؤية أشمل وخروج عن المألوف بحثًا عن الأفضل. الدكتور مورو فاز مؤخرا بجائزة الوسطية الإسلامية من منتدى الوسطيَّة العالمي كأفضل مفكر عربي لهذا العام. وجاء في حيثيات الاختيار، أنَّ الدكتور محمد مورو قدّم أطروحات إسلاميَّة متميزة في مجال الحرية والعدل وعدم التعصب، ودعم الوسطية الإسلاميَّة، وقام بدور كبير في تطوير الفكر الإسلامي السياسي المعاصر، وهو من المفكرين المجددين، كما أنَّه أسهم بدور متميز في الدعوة للتغيير عن طريق سلاح الجماهير وليس العنف. ويبشر فكر الدكتور مورو بالمرحلة الثانية من الحضارة الإسلامية ويؤكد أن المستقبل للمسلمين والإسلام ويدعو بروح العصر الى التخندق بالعقل والنص معًا لرسم ملامح الحضارة الإسلامية على أنقاض الحضارة الغربية الذاهبة والتي يصفها بأنها قتلت نفسها بايديها. « الرسالة» التقت الدكتور مورو في محاولة للوقوف على أهم ملامح افكاره والتي كتب عنها كثيرا. عبث فكرى * سألت الدكتور مورو لماذا تحسب على مرحلة التعصب الإسلامي واللغط الذي دار في واقعنا الإسلامي حتى كاد أن يضيع الحقيقة؟ - للأسف هناك حالة من العبث الفكري التي يجب أن نتخلص منها فأنا لم أؤمن يومًا بان العنف يصنع مجدا للإسلام بل يجعل من الإسلام صورة مشوهة يستغلها أعداؤه ورغم موجات العنف التي اجتاحت عالمنا الإسلامي عبر عقود مضت فلم أؤيد يوما هذه الوسيلة للتغيير وإنما كنت أؤمن دائما بالمراهنة على الجماهير وضرورة النضال السياسي للتغيير وان يكون النضال السياسي شاملا تشارك فيه الأطياف كافة لان العنف يقوي السلطة ويضعف الجماهير ويضعف الشعب وهذا ما حدث حين اختارت بعض الجماعات والتوجهات الإسلامية سلاح العنف للتغيير ما حدث أنها فقدت شرعيتها أمام الجماهير ووصلنا إلى مرحلة أصبح الإسلام والإسلاميون خطرا على التنمية وأصبح الإسلام في نظر أعدائه مصدر الإرهاب وأداة للتخويف منه فلم يفلح العنف في خدمة المشروع الحضاري الإسلامي. أنا متفائل * هل يؤدى هذا العبث إلى ضياع الحقيقة؟ - على العكس أنا أرى أننا ذاهبون بقوة إلى المشروع الحضاري الإسلامي وعودة الدولة الإسلامية الثانية كبديل للحضارة الغربية التي وان كانت استفحلت في العلوم فإنها لم تفلح في تحقيق العدل السياسي أو الاجتماعي وان كانت الشيوعية فشلت فان المشروع الحضاري الإسلامي لن يفشل وبخاصة في ظل ما يحدث من تغيرات في بعض البلدان الإسلامية وإعطاء مساحات اكبر من الحرية فالساحة مفتوحة الآن للحوار والحوار سيميز الغث من السمين وكل طرف سيجتهد ليكون له وجود سياسي ومن ثم سنرى طرحا أفضل من الماضي الذي ظل مقيدًا بالسلطة التي تكيل الاتهام لكل من يتحدث بالمشروع الإسلامي. - عنف غير مبرر * ولكن كثيرا من جماعات الإسلام أغرقت نفسها في مسارات العنف باسم محاربة الكفر أو محاربة أعداء الإسلام والدليل على ذلك الصخب الذي احدثه تنظيم القاعدة في العقدين الماضيين؟ - العنف قد يكون مبررا في محاربة أعداء الإسلام مثل ما يحدث في العراق او فلسطين ولكن المواجهة لا تكون مع مدنيين بل مع الغزاة وما جعل لتنظيم القاعدة من شهرة هو اعتداؤها على مركز التجارة العالمي وقتل مدنيين وهذا ليس مبررا على الاطلاق وقد كتبت رسالة إلى القاعدة في هذا الشأن وفي حينها اما العنف الذي ساد في بعض البلدان الإسلامية ومنها مصر والسعودية فهو غير مبرر ولم يخدم المشروع الإسلامي بقدر ما أفسده. الحرية.. الحرية * ولكن البعض يخشى من وصول الإسلاميين للحكم وتكوين دولة تقيد الحريات تحت عباءة الإسلام؟ - لولا الحرية التي حظي بها الناس على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما قامت الدولة الإسلامية الأولى وإذا لم يتوافر مناخ الحرية فلن تقوم الدولة الإسلامية الثانية حتى لو حكمها مسلمون فالإسلام ينمو ويترعرع في مناخات الحرية لأنه فطرة الله التي خلق الناس عليها وهناك غير مسلمين يؤمنون بالمشروع الحضاري الإسلامي لأنهم في كنفه سيكونون أكثر حرية والحرية لا تعني أن يأتي ضيقو الأفق إلى الحكم ليتحكموا في رقاب الناس ويطبقوا الإسلام شر تطبيق بل يجب على كل من يتعرض للعمل العام أن يتسع صدره أولا لفهم الإسلام الصحيح ودولة إسلام بلا حرية لا نريدها وإنما نريد دولة حرية ولو كانت بغير الإسلام لان المناخ الوحيد الذي سينتصر فيه الإسلام وترد قيمه الغائبة هو مناخ الحرية. حرية الغرب مقيدة * ولكن الحرية في الغرب أسيئ فهمها وحولت الناس إلى مزيد من عدم الإيمان والتمرد على الله؟ - الحرية في الغرب مقيدة وليست حرية بالمعنى الصحيح وإنما إيمان بالقيم التي أرستها الحضارة الغربية وتعصب الغرب جعلهم يتحركون في مساحات ضيقة من التحرر بدليل أن معظم المفكرين الغربيين حين تحرروا من هذا التعصب نجدهم إما آمنوا بالإسلام أو أنهم أنصفوا فهي حرية مقيدة إنما الحرية في الإسلام هي التي لا تنتصر لشيء على شيء ولا تقيد الإنسان في أي قالب ايديولوجي، وإنما تنطلق من رحابة ما أعطاه الله للإنسان من حرية التفكر والتدبر حتى يصل إلى الثابت والصحيح، وما يلتقي في النهاية مع فطرته، والإسلام ما هو إلا فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأي تفاعل بين العقل والكون يؤدي إلى معرفة الله، وما يحدث أن التفكير بحرية يؤدي إلى الايمان بالله، والقوى الشيطانية على الأرض هي التي تحول بيننا وبين معرفة الله لتحقيق مآربها الخاصة، ومنافعها الدنيوية. والإسلام جاء منذ آدم حتى اليوم ليحررنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، والقضاء على الاستبداد السياسي في العالم والبعد عن التعصب، وانصاف المحرومين من البشر، هو ذروة ما يدعو الإسلام إليه ومهمتنا الأولى قبل الدعوة إلى الإسلام، بمعنى أن ندعو للحرية ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يفلح أي تعصب في تحقيق نصر حتى لو كان يرفع راية الإسلام فأعطوا الناس حريتهم وانتظروا إيمانهم. الإسلام رؤية حضارية * ولماذا تغيب هذه الأفكار في * * ظل اللغط الذي يكاد يذهب بالأسماع؟ - لا بد أن نؤمن أن مدرسة الوسطية الإسلامية موجودة؛ ولكن البعض لا يريد أن يكون لها صوت، وهناك من علماء الأمة من بذلوا جهدًا فوق جهد ليؤكدوا على وسطية الإسلام، ولكن ما نحن بصدده الآن يختلف عن الماضي تماما، وهو أننا مقبلون على بديل حضاري عن البديل الغربي الرأسمالي ولو أفلحنا في تقديم صورة أفضل عن الإسلام لكان البديل هو الإسلام، ولذا وجب على المسلمين أن يخاطبوا الناس بلغة عالمية ليست محلية، وليست مذهبية، وألا يقفوا عند الفروع على حساب الأصول والثوابت. فالعالم الآن أحوج ما يكون إلى العدل الاجتماعي والى الحرية الحقيقية التي لا تقيدها قيود أو تعصب والى البديل الأخلاقي الذي يقي العالم من الانفلات والى البديل الاقتصادي الذي لا ينحاز إلى طبقة على حساب أخرى وعلينا أن ندرك على سبيل المثال أن الجوع في العالم يرجع إلى النظام الاقتصادي الدولي الظالم، واستئثار20% من سكان العالم ب 75% من الثروات، بل إن هناك داخل الدول التي تمثل ال20% تفاوُتًا طَبَقِيًا رهيبًا، الأمر الذي يعنى أن هناك عدالة اجتماعية غائبة داخل كل دولة على حدة، وداخل العالم ككل. وعلينا أن نقدم الإسلام بشكل متكامل كرؤية حضارية وليس كدين يتعبد الناس به. تساؤلات متعددة * هناك مخاوف من المشروع الإيراني وامتداده في المنطقة؟ - وفي الحقيقة فإن الذي أثار المشروع الإيراني بقوة على الساحة هو انحياز القطاع الأكبر من شيعة العراق إلى الاحتلال الأمريكي، وهذا في حقيقة الأمر أثار الذاكرة التاريخية حول الدور المريب للشيعة - في التآمر على الدولة الإسلامية، أو التحالف مع أعداء الأمة. * يجب أن نطرح الأسئلة الحرجة وغير الحرجة، ويجب أن نجيب عليها بلا حساسية وبلا لف أو دوران، هل هناك مشروع شيعي حقًّا؟ وهل يختلف المشروع الشيعي عن المشروع الإيراني؟ هل المشروع الشيعي أو الإيراني أخطر على الأمة أم المشروع الأمريكي الصهيوني؟ كيف نتعامل مع هذه المسألة؟ وفي حالة الصدام بين الأمريكان والإيرانيين مثلًا ففي أي خندق نقف؟! وما المشكلة في المذهب الشيعي عمومًا. - بداية فإن الشيعة يمثلون أقلية داخل الأمة الإسلامية، وتتراوح نسبتهم من 10 - 15% من المسلمين، ومن ثم يجب التعامل معهم في هذا الإطار. خطورة المسألة الشيعية أنها ارتبطت في اللحظة الراهنة بعدد من العوامل أعطت للمسألة حجمًا كبيرًا؛ منها غياب المشروع السني إلى حد كبير، ومنها أن الظروف خدمت دولة إيران فالاتحاد السوفيتي على حدودها تفكك، وكذا قام الأمريكان بضرب كل من طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، أي أن إيران أصبحت الدولة الأقوى -الوحيدة تقريبًا- في محيطها ما عدا تركيا، ثم مصر وإسرائيل بعيدًا إلى حد ما، وهذا أعطى للإيرانيين الأمل في التمدد وتحقيق حلم فارسي أو إيراني أو شيعي!! أو السعي لكي تصبح إيران دولة عظمى إقليميًّا. ومنها ارتفاع أسعار البترول وزيادة الدخل الإيراني بما يسمح بالإنفاق على المشروع الإيراني أو الشيعي أو الحصول على سلاح نووي أو تقليدي، وقد نجحت إيران بالفعل في تحقيق تقدم كبير في تصنيع السلاح التقليدي، وفي المجال النووي أيضًا. الإنسان سلاح الأمة * وكيف يمكن مواجهة هذا الخطر؟ - الحقيقة هو أنني أتمنى من كل قلبي أن يتوحد كل المسلمين على اختلاف طوائفهم في مواجهة الخطر المحدق بالأمة كل الأمة، ولكن السلوك الطائفي الإيراني والشيعي عمومًا يحول دون ذلك، وإذا كان التاريخ يؤكد أن الإنجازات الكبرى التي تحققت للحضارة الإسلامية كانت على يد دول سنية، وأن العكس كان صحيحًا، فإن الواقع المعاصر جاء ليؤكد ذلك؛ حيث قام أغلبية شيعة العراق بخيانة الأمة متعاونين مع الاحتلال الأمريكي، وكذا فإن الجمهورية الإيرانية قدمت المصالح الإيرانية أو الشيعية على مصالح الأمة، حين دعمت الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكذا سهلت الغزو الأمريكي للعراق، وهذا لا يمنع طبعًا أن توجد تناقضات بين إيران والغرب وأمريكا. أوجه ندائي إذن إلى المسلمين السنة باعتبارهم الحاضن التاريخي لأهداف وآمال أمة الإسلام، ولأنهم أيضًا يشكلون 90% من عدد المسلمين في العالم (حوالي 1500 مليون من أصل 1700 مليون نسمة)، ولأنهم ليست لديهم عقد طائفية، ومن ثم فإن قيامهم بالواجب التاريخي لا يغلق الباب أمام من يريد العودة إلى صفوف الأمة من الشيعة أو غيرهم. وبداية علينا تحديد التحديات التي تواجهها الأمة الآن، والتحدي الأكبر والأخطر والأعمق، هو التحدي الاستعماري الصهيوني، وهو جزء من الحرب الصليبية الممتدة في الزمان والمكان منذ بعثة الرسول وحتى اليوم والغد، وهو تحد واضح ومحدد ولا يحتاج إلى تحليل كبير، وإذا قلنا أو اعترفنا بأن الغرب كل الغرب «بقواه الفاعلة والقائدة والمؤثرة «مشارك في هذه المؤامرة، وأن هذا الغرب متفوق علينا تكنولوجيًّا جدًّا، فإن من العبث مثلًا أن نبحث عن القوة التقليدية أو النووية عن طريق هذا الغرب ومساعدته، إننا بذلك نكرس الهزيمة والضياع، لن تنفعنا هنا الحصول على طاقة نووية أو سلاح نووي أو طائرات أو دبابات أو أجهزة حديثة، لدينا سلاح واحد هو الإنسان، والإنسان أقوى من التكنولوجيا، لدينا الحرب الشعبية والفدائية لا أكثر ولا أقل، ومن ثم فإن اللهاث أمام بناء جيوش قوية وترسانة سلاح هائلة لن يجدي؛ لأن الفجوة واسعة، وهذا السلاح مصدره العدو.