اليوم تنطلق فعاليات مهرجان "جدة غير33" والتي تقام في العديد من المواقع في عروس البحر الأحمر، وهذه الفعاليات أثبتت نجاحها في الأعوام الماضية نظرًا لما تقدمه من برامج ونشاطات متنوعة ما بين ثقافية وفنية واجتماعية، وهذه نشاطات تحتاجها مدينة رائعة حالمة مثل جدة تشهد في الصيف توافد الزوار عليها بأعداد كبيرة بالإضافة إلى ساكنيها والمقيمين بها والذين يحتاجون إلى مثل هذه الفعاليات لقضاء موسم الصيف في أنشطة ممتعة ومفيدة وفي نفس الوقت ترفيهية تقدم صورة جميلة عن هذه المدينة الجميلة. وأرى أن الجانب الفني يحتاج إلى اهتمام أكبر من هذه البرامج، فجدة مدينة الفن والتراث والأصالة العريقة، وهي حاضنة الفن والفنانين، وقد كانت حفلات جدة الغنائية من أجمل ما يميز "جدة غير"، والحفلات كانت تشهد إقبالًا جماهيريًا كبيرًا متعطشًا للفن والطرب، ولكننا في السنتين الماضيتين أفتقدنا هذه الحفلات الغنائية، وغاب الطرب والغناء عن مدينة الفن والموسيقى، وطبعًا هذا الغياب كان له أسبابه بعد أن تحوّلت هذه الحفلات إلى سوق لتجّار الفن يبيعون ويشترون فيها باسم الفن. لقد كانت حفلات جدة الغنائية مزدهرة وراقية قبل عدة سنوات، وكان يشارك بها فنانون يحترمون أنفسهم أولاً ثم فنّهم وعلى رأسهم الراحل الكبير مؤسس الأغنية السعودية طلال مدّاح يرحمه الله والذي كانت حفلاته في جدة كافية لإنجاح المهرجان والصيف، ولكن بعد رحيله تحوّلت حفلات جدة إلى مطمع تجاري، يبدأ من اختيار متعهدين تجّار لا علاقة لهم بالفن، مرورًا بجلب فرق موسيقية عربية لا يهمها مهرجان أو غيره بقدر ما يهمها (الفلوس أولًا) ولا ننسى تلك الفضيحة الكبرى قبل عامين حينما رفضت الفرقة إكمال فقرتها بسبب خلافات مادية مع المتعهد التاجر، وليكتمل المسلسل الفضيحة بهروب الفنان المغني من الحفل بعد أن ضحك على الجمهور وقال لهم (إستراحة وسنعود بعد دقائق) ليهرب من الباب الخلفي للمسرح تاركًا "جمهوره" ينتظر إلى الآن!!. كل هذه عوامل سلبية أثّرت في استمرارية مهرجان ناجح، والسبب كما قلت هو إعطاء هذه الحفلات لمتعهدين وفنانين تجّار. ولأن جدة مدينة الفن والطرب والموسيقى والغناء، فإنني أتمنى أن يشهد مهرجان "جدة غير" عودة الحفلات الغنائية ولكن بشروط من أهمها إعطاء الفرصة لمن هم جديرون بالقيام بها، فمثلا أتمنى أن يتم تكليف جمعية الثقافة والفنون بجدة للقيام بها من جميع النواحي (تنظيمًا وتنسيقًا)، فالجمعية كجهة حكومية مسؤولة يمكن أن تقوم بهذا الدور، وسوف نضمن أن المطامع التجارية المادية لن تكون حاضرة، كما أن اختيار الفنانين المشاركين يجب أن يتم من خلال معرفتنا بأنهم يسعون لتقديم ما يسعد الجمهور أولاً وليس ما يسعد جيوبهم المليئة أصلا. جدة مدينة الفن.. سامح الله من أساء لها بالتصرفات المادية التجارية، وكلنا آمال أن يعود لها جوّها الفني الأصيل. إحساس دنيا الهوى حلوة.. في الحلو ولّا المرّ ياللي هواك العمر.. غنوة ورا غنوة بتنا نغنّيها.. بالرّق والمصقع للصبح نحييها.. يا ليته ما يطلع (الليل ما يحلى إلا بجلاسّوا)