اليوم تنطلق حفلات جدة الغنائية لصيف هذا العام، وبلا شك فإن القائمين على المهرجان قد استوعبوا درس العام الماضي، أو بالأصح «فضيحة» العام الماضي، والتي لا تزال -وستزال- عالقة في الأذهان ولن تُنسى، من فنان يترك الجمهور في وسط الحفل ويهرب من الباب الخلفي، إلى فرقة موسيقية تجارية لا تستحق حتى لقب فرقة «حسب الله»! وما زلت أرى أن جدة مدينة مظلومة، فرغم أنها منبع الفن والطرب والثقافة والأدب، فإن مبدعيها وفنانيها مظلومون. فلا توجد فيها جهة فنية ثقافية (عليها القيمة فعلًا) تحتضن هؤلاء المبدعين، وتحتضن المواهب الشابة، وهذا مهرجان جدة يأتي اليوم ليؤكد ذلك، فالفنانون المشاركون في حفلات صيف جدة ليسوا من فناني جدة! وطبيعي أنه ليس شرطًا أن يكون الفنانون من جدة، فجميع مدن المملكة هي لجميع المطربين والفنانين والمبدعين، ولكن جدة مدينة كبيرة.. كبيرة.. كبيرة.. فيها أعداد هائلة من الفنانين والمثقفين، ومناسبة مثل مهرجان صيف جدة كان من المفترض أن يكون فيها -على الأقل- نصف المشاركين من جدة، وليس ولا واحد! أقول وأكرر إن جدة بفنانيها ومثقفيها وشبابها مظلومة، فلو كان بها جهة فنية ثقافية (محترمة)، لطلب منها القائمون على المهرجان ترشيح فناني جدة للمشاركة، وليس فقط طلبوا منها، بل من المفروض أن يكون لهذه الجهة (الخيالية) دور مهم، إن لم يكن دورًا كاملًا لتنظيم هذا المهرجان وإدارته وترشيح وتشجيع فناني جدة مع استضافة فنانين من مناطق أخرى، ولكن لعدم وجود مثل هذه الجهة، فالكل يتصرّف على هواه، والكل يرشح على هواه. ولعل الأسواء من ذلك فعلًا، هو ما كان من تصرفات من (بعض) فناني جدة المشهورين، والذين لجدة أفضال كبيرة عليهم، فكان لهم دور في هذا الوضع المأساوي الذي أصبحت تعيشه جدة، عندما أصبح فنانوها المشهورون (وغير المحتاجين) لا يغنون لها وفيها إلا بعد دفع «الشيك»! ألم أقل لكم إن جدة مظلومة.. حتى بأمثال هؤلاء المنتسبين لها بالاسم فقط! عمومًا.. أنا ما زال عندي أمل كبير بتحسّن هذه الأوضاع الفنية والثقافية لجدة عندما تنفّذ وزارة الثقافة والإعلام فكرتها بإقامة مراكز ثقافية، فجدة بحاجة لمركز ثقافي كبير يتولى همومها ومسؤولياتها الفنية والثقافية، والأهم من ذلك طبعًا هو أن من يقود هذه المراكز هم الفنانون والمثقفون أنفسهم، فلا نريد موظفي أرشيف، نريد أفكارًا وخططًا وتنفيذًا، ولدينا من فنانينا الكبار ومثقفينا الكبار من يستطيع تولّي هذه المسؤولية بكل جدارة، وفي نفس الوقت يكونون -اسمًا وفعلًا- واجهة لهذا المركز الثقافي. وأعود لحفلات جدة اليوم وغدا وبعد غد، وأولها اليوم مع الفنان الذي أصبح يومًا بعد يوم يزداد تألقًا ونشاطًا وهو رابح صقر، والذي كانت حفلته العام الماضي الأكثر حضورًُا جماهيريًا وهو ما يؤكد حضوره القوي في جدة وجمهورها وربما يكون هذا سببًا من الأسباب التي جعلت (بعض) الفنانين يفكرون في الانسحاب من حفلات هذا العام (بأي حجة) لكي لا يشهدوا بأنفسهم مدى انخفاض شعبيتهم ومكانتهم أمام القادمين من الخلف! وإضافة للمميز رابح صقر، تشهد جدة غدًا أيضًا حفلًا مميزًا مع الفنان خالد عبدالرحمن، وهو من الفنانين الذين يحترمون فنهم وجمهورهم وله قاعدة جماهيرية كبيرة في كل مدن مملكتنا. وأما يوم بعد غد الجمعة فموعدنا مع الشابين الرائعين عباس إبراهيم ومحمد الزيلعي، وهذا الفنان الأخير الزيلعي أعتبره شخصيًا الآن فاكهة الأغنية الشبابية السعودية بآدائه الجميل واختيارته للأغنيات التي يقدمها، وكذلك لحضوره الجميل وابتسامته الأجمل، وهو صوت سيكون له مستقبل فني مشرق إذا ابتعد عن الغرور، وإذا جعل موهبته للفن أولًا وأخيرًا، فالمادة ليست كل شيء وهي ستأتيه إذا أخلص لموهبته وفنه، وقدمها بشكل أصيل وليس بشكل تجاري. أهلًا بهؤلاء الفنانين الأربعة في حفلات صيف جدة.. وكل عام وجدة ستبقى تنتظر شروق الإبداع الفني والثقافي فيها من جديد. إحساس الليل ما يحلا إلا بجلاسّوا والقلب ما يسلى أهل الهوى وناسوا وأنت الحلا كلوا وأنت الهوى وأهلوا يا حلو يا غالي يا زينة المجلس