نتحدث كثيرًا عن الثقافة والمثقفين، ونؤمن بدور المثقف الواعي والمنصف في التصدي لأي ثقافة رجعية تعبر عن فكر جاهلي يتناقض تمامًا مع الحس والإدراك الثقافي للمثقفين في كل الأمم والشعوب؛ ولذلك فإن أي ثقافة لا تحمي صاحبها في أي زمان ومكان ومجتمع أو موقع للمسؤولية من الوقوع في الكذب وكيل الاتهامات والشتائم للمجتمعات الأخرى التي لا ينتمي إليها تعد ثقافة رجعية ومتخلفة بكل المقاييس؛ إذ ان الثقافة فكر وتنوير يقود صاحبه إلى قول الحق والتصدي للظلم أيا كان نوعه، أما الانسياق وراء العاطفة والرؤية الضيقة فهي بلا شك نمط من أنماط الإنسان الجاهلي حتى لو كان في عصر التقنية والتقدم في جميع مناحي الحياة وحراكها المتنوع. إن المثقف «الحقيقي» والصادق هو ذلك المؤمن برسالته الإنسانية والوجدانية في رسم خطى التعاطي مع الحضارات الأخرى بكل احترام وأدب وتقدير؛ وبرأيي أن من يرتهن إلى لغة الانتقاص والانتقام ممن يختلف معهم مستخدمًا الأساليب والألفاظ النابية لا يستحق أن ينعت بالمثقف بل بالجاهل السفيه! وما أحوجنا اليوم في ظل ما يكتنف مجتمعاتنا العربية من عداء بيّن من قبل الغرب بأسره إلى توحيد الكلمة والصف بدل الإفراط في التعدي على حضارة كل شعب على حدة ووصفها بأسوأ الشتائم لتفريغ «عقد وأحقاد شخصية» لا تمت للحقائق والواقع بانتماء منطقي يقبله العقل قبل المنطق! بلى، تحتاج الأمة العربية على وجه الخصوص إلى الظهور بمظهر حضاري في قضايا الاختلاف في وجهات النظر أيا كانت، ولا يحق لأي فرد سواء ممن يوصف بالمثقف أو غير ذلك أن يصب جام غضبه على كرامة وحضارة أي شعب شقيق أو صديق؛ فهذه اللغة هي لغة النقص وعدم القدرة على التمام؛ وليكن في خلد أي منساق في هذا التيار أن التأريخ وحده يتكفل برفض أفكاره وشتائمه التي ترتد إليه وتفصح عن عقليته الجاهلة والمريضة!! ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سنام ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام