بين الشهيد والإرهابي مسافة يمكن للإعلام أن يملأها بما شاء من قصص ودعاوى وادعاءات تصب في مصلحة الجاني، وتتخذ من الازدواجية والنفاق أساليب لتسويق ما شاءت من افتراءات. من السهل جدا أن يقوم الإعلام في عصرنا بتحويل الشهيد إلى إرهابي، والمناضل إلى خارج على القانون، والمجاهد إلى قاتل محترف. المهم هو أن يسقط الشهيد على أرض المعركة متلبسا بحمل السلاح ومواجهة العدو المغتصب. عندها يمكن لماكينة الإعلام أن تتدخل وتنسج القصص الخرافية عن خطر الإرهاب الذي يستهدف الكيان الغاضب. إسرائيل وحلفاؤها كانوا ولا زالوا قادرين على إدارة دفة المعركة الإعلامية في هذه الحالة. ما يرعب إسرائيل وحلفاؤها حقا، هو توجه الفلسطينيين إلى تبني أساليب جديدة من النضال السلمي، حيث لا مواجهات مسلحة ولا إراقة لنقطة دم واحدة. وما يفعله آلاف الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في سجون العدو الآن، من إضراب عن الطعام، يجسد أسلوبا للمقاومة السلمية وقف الكيان الصهيوني وما زال، عاجزا عن مواجهته حتى هذه اللحظة. الإضراب عن الطعام هو واحد من أشكال العمليات الاستشهادية مع سبق الإصرار والترصد. الفرق الوحيد بين الإضراب عن الطعام وبين العمليات الاستشهادية في شكلها التقليدي، هو أن الأول لا يعتمد على القتل أو المواجهة المسلحة كوسيلة - تبقى بدون شك - مشروعة لكل من أراد أن يحرر أرضه. في الإضراب عن الطعام ليست هناك شبهة قتل يمكن للإعلام أن يبني عليها أكاذيبه ومغالطاته. وهذا ما يزعج الصهاينة بل ويفزعهم. الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام الآن، هم مشاريع شهداء لا يمكن للكيان الصهيوني أن يتملص من مسؤوليته عما آلت إليه أوضاعهم. ولعل ما يزعج الصهاينة ويفزعهم أكثر مما سبق، هو أن الإضراب عن الطعام خيار لا يمكن أن يلجأ إليه إلا من كانت لديه قضية عادلة؟ إن إضراب حوالي 1200 إنسان عن الطعام هو سابقة لم تحدث في تاريخ البشر. وهذا يعني أن الكيان الصهيوني سيجد نفسه مضطرا لمواجهة موقف لا يعرف كيفية التعامل معه أو احتواء آثاره التي ستمتد لتشمل كل مكان على ظهر الأرض. هل ستتحمل إسرائيل موت عشرة أسرى؟ المعركة الآن مع الأفواه الفلسطينية المغلقة، وهي معركة لم يضعها الصهيوني في حسبانه.