حين كنت ما أزال طالباً في مرحلة الدكتوراة في أمريكا في الثمانينيات الميلادية، التحقت إحدى أهل بيتي بكلية المجتمع في مدينة لوس أنجلوس ويسميها الأمريكان بالإنجليزية: Community College، وتعرفت وقتها عن كثب على نظام كليات المجتمع وأعجبت به، فهذه الكليات تمنح دبلومات دقيقة التخصص في مدة سنتين، وتؤهل خريجيها وخريجاتها تأهيلاً مهنياً بالدرجة الأولى، ليتمكنوا من العمل فوراً في خدمة المجتمع في تخصصات يحتاجها هذا المجتمع بإلحاح، وهو ما تدل عليه التسمية بذاتها. كما أن برامج هذه الكليات لا تمنع الملتحقين بها من إكمال دراستهم الجامعية للحصول على البكالوريوس لمن شاء منهم، فيستطيع خريجوها الالتحاق بالجامعات المختلفة بعد حصولهم على الدبلوم وكما علمت وقتها، فإن كليات المجتمع في أمريكا مستقلة عن الجامعات وقائمة برأسها. ولم تكن لدينا وقتها كليات مجتمع في المملكة، وأذكر أنني تحدثت بخصوصها مع الأخ العزيز والزميل الكريم سالم بن أحمد سحاب، وكان ذلك حلماً يراودنا، وقدّر الله وما شاء فعل أن يصبح سعادته فيما بعد أول عميد لكلية المجتمع التابعة لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، فأسسها وأقام عمادها باقتدار، وهو شأن أخي سالم في التأسيس فهو كذلكم أول وكيل لجامعة الملك عبدالعزيز للتطوير. وكانت تلكم بداية كلية المجتمع بجامعة المؤسس التي مضى على تأسيسها اليوم عشر سنوات زاهرات، فقد انطلقت الكلية بقوة وعلى أسس راسخة في عهد عميدها الأول أ.د. سالم سحاب، واشتد عودها ونمت برامجها في عهد عميدها الثاني أ.د. عبدالملك الجنيدي، ثم بلغت أوج نضجها وتقدمها وتوسعها في عهد عميدها الحالي أ.د. إبراهيم كتبي. فقد التحق بالكلية عند إنشائها أربعون طالباً فقط، واليوم وبعد عشر سنوات وصل عددها طلابها الى 643 طالباً أي أن عدد الطلاب تضاعف خمس عشرة مرة. وهؤلاء الطلاب يدرسون في تسعة تخصصات وبرامج متميزة يحتاجها سوق العمل السعودي بإلحاح، وبرامجها مطابقة للمواصفات العالمية الحديثة ولا عجب أن اعتمدت خطتها على خمسة محاور استراتيجية بناء على تحليلات (SWOT). هي العلاقة مع المجتمع والبرامج والهوية والطلاب والموارد البشرية والمالية. وبناء على كل ذلك وما تميزت به الكلية علميا وتدريبيا وتوظيفيا، حصلت الكلية مؤخرا على الاعتماد الاكاديمي الدولي عن جدارة واستحقاق متصدرة وصيفاتها الأخريات. وقد رعى معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب حفل كلية المجتمع بمناسبة مرور عشر سنوات على إنشائها بحضور وكلاء الجامعة وأعضاء هيئة التدريس والمسؤولين والطلاب ورجال الأعمال مساء يوم السبت 15/5/33ه وقد استعرضت فقرات الحفل مسيرة الكلية في عقد من الزمان بدقة وتفصيل. ولعل اللافت في تلك المسيرة أن الكلية اليوم لديها مجلس استشاري يضم في عضويته عدداً من ممثلي كبرى الشركات في محافظة جدة، وممثلين عن مكتب العمل ووزارة التربية والتعليم وصندوق تنمية الموارد البشرية في المحافظة. وتنعقد اجتماعات دورية لهذا المجلس في سبيل تطوير الأداء الأكاديمي للكلية وتعزيز علاقاتها مع مؤسسات المجتمع المحلي. وهذا في حد ذاته يشي بتناغم وتناسق مخرجات الكلية مع متطلبات سوق العمل، ما يضمن للخريجين نسباً عالية في فرص العمل، وهو ما يحصل فعلاً كما سمعت من كثير من قياديي الكلية وأساتذتها. ومن اللافت أيضاً أن الكلية ستبعث ثلاثين من طلابها المتميزين من مختلف التخصصات للدراسة في كلية جرينتش ببريطانيا لمدة عام كامل، بعد موافقة وزارة التعليم العالي، لتكون بذلك أول كلية مجتمع تبتعث طلابها جزئيا للدراسة في الخارج. وجدير بالذكر أن الكلية بصدد فتح تخصصات جديدة مثل إدارة تشغيل القطارات، وبرامج الاتصالات اللاسلكية والسلكية إضافة إلى برامجها التسعة المنتقاة بعناية. وهذه دعوة مفتوحة من خلال هذا المنبر الصحفي الحر لأبنائنا خريجي الثانوية العامة لهذا العام أن يُقبلوا على التقدم لهذه الكلية وسواها من كليات المجتمع، وتخرجهم فيها سيضمن لهم فرص عمل مناسبة بإذن الله يخدمون فيها دينهم ووطنهم.