* يعيب بعضنا على «الآخر» صدقه ونزاهته.. ووصف ذلك بالبلاهة والسذاجة أو في أقل «الحدة» بعدم استيعاب وفهم مقتضيات العصر والتي في قمتها «الفهلوة». * من حق كل فرد أن يفكر كما يحلو له وأن يعيش بطريقته الخاصة وأن يتصرف كما يريد طالما أن ذلك كله كان خاصًا به وحده.. لا يمس الآخرين، القريبين منه أو المحيطين به أو المتعاملين معه. * كما أنه من حق «الآخر» الملتزم انضباطًا وسلوكًا ومعرفة أن «يرفض» وصاية الآخر «الفهلوي» حتى وإن كان في قناعته الداخلية يؤمن أن التزامه وانضباطه غير متناسب مع سيرورة الحياة اليومية سواء في سرعتها أو مفاهيمها أو حتى مبادئها. * الإشكالية المجتمعية التي نحياها ليست نابعة من الاختلاف فهذه ميزة أوجدها الحق سبحانه وتعالى لتتمايز مخلوقاته بما فيها البشرية ولضمان تنوع دائم في السيرورة الحياتية العامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ولكن الإشكالية في يقيني نابعة من روح وسيادة ذهنية «الوصاية» التي تجعل صاحبها يوقن أنه الأفهم والأدرى والأخبر. * كما أنها توهمه بخطأ وقلة خبرة وعدم قدرة وانعدام معرفة الآخرين.. الذين هم، بحسب وهمه، في مسيس الحاجة إلى إرشاداته ونصائحه المتواصلة كتعاقب الليل والنهار. وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حالات تمرد، ورفض، وابتعاد، بل وفي بعض اللحظات إلى عداء. * هذه الذهنية الوصائية ليست خاصة أو مقتصرة على أهل السياسة كما قد يظن البعض كما حدث مع «القذافي» الذي تساءل في وهم «من أنتم؟» أو مع بن علي «الآن فهمتكم» بل هي متغلغلة في المجتمعات العربية وفي كل مفاصل تركيباتها الحياتية بما فيها النخب المثقفة.. التي في كثير من الأوقات تكون أكثر وصاية وأعنف فعلًا من الآخرين. * في هكذا فضاء أو بيئة تختل المعايير للإبداع وتنعدم فرص التطور الطبيعي التي تحتمها وتستوجبها القبول بالآخرين «عدلاء» أكفاء مقتدرين ومساهمين في التطور الإنساني كل بحسب ما أنعم عليه المولى جلت قدرته من مؤهلات وإمكانيات بدنية وعقلية ونفسية. وهو ما يتضح في الفرق البين والكبير بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات العربية حيث تتبع الأخيرة سابقتها «القذوة بالقذوة». وهو ما يستدعي إعادة التخطيط لإعادة صياغة عامة للمجتمع العربي مرتكز في أساسه على ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية السليمة لا المنحرفة.