* في بداية شهر سبتمبر الحالي نشرت الزميلة صحيفة «الحياة» في أعلى صفحتها الأولى خبرًا تحت عنوان «السعوديون أكثر شعوب العالم امتلاكًا لأجهزة تلفزيون ال 3d « وفي تفاصيله: «تصدرت السعودية دول العالم في اقتناء أجهزة التلفزيون ذات الشاشات الثلاثية الأبعاد... وأن السعودية حققت هذه المرتبة المتقدمة بسبب رغبة الشباب في مشاهدة الأفلام التي تعرض بتقنية الأبعاد الثلاثية التي غدت أمرًا معتادًا في دور السينما في البلدان الأخرى. * شدّني الخبر في عنوانه فتعمقت في قراءته وقد كنت أظن في البدء اني سأكتشف تفوقًا سعوديًا ليس في الاقتناء ، بل وفي الصنع، غير اني أُصبت بخيبة أمل حينما تأكدت من تفاصيل الخبر ان المسألة ليست سوى استهلاك في استهلاك. فالسبب الذي جعل المملكة تتصدر دول العالم هو الرغبة في امتلاك أجهزة تحقق ما هو غير متاح للشباب لمشاهدة الأفلام السينمائية، إضافة إلى توفر المال الذي يمكنهم من شراء تلك الأجهزة. * وإن كنت أشك حقًا وعلى غير يقين من أن السعوديين لا زالوا من أفضل الشعوب امتلاكًا للمال وتوفره ،لأن واقعنا الحياتي المعاش يبين وبكل وضوح كماً كبيراً من الحاجة والفقر وتناقصًا في الطبقة الوسطى مما يعتبر في عرف وقانون الاقتصاديين وعلماء الاجتماع مؤشرات فقر وعوز، الا انه وبرغم ذلك فالمملكة تتصدر العالم ليس في إنتاج أجهزة التلفزيون، بل في شرائها وامتلاكها وخاصة في فئة الشباب. * طغيان الاستهلاكية الذهنية على معظم أبناء مجتمعنا السعودي أفسد كثيرًا من المعاني والقيم والمبادئ الإنسانية التي كانت سائدة في فترة من الفترات هنا فوق هذه التربة الطاهرة.. فالعلاقات الانسانية أصبح معيارها المصلحة الشخصية والكسب المادي فقط لا غير، والتفوق الوظيفي والمهني تحوّل من معاييره الحقيقية وهي امتلاك القدرات المعرفية والإمكانيات الذاتية المؤهلة إلى ولاء ونفاق ورياء لهذا وذاك استنادًا لمصالح مادية متبادلة. بل ان النزاهة والإخلاص والصدق لم يعد لها مكان في الذهنية الاستهلاكية حين سمحت لمن يعتنقونها تفسير النزاهة بأحقيتهم في سرقة المال العام، والاخلاص بالتهاون في أداء العمل، والقيام بواجبات المسؤولية كما ينبغي والصدق إلى مناورة وذكاء وفهلوة في تمرير هذا الأمر أو ذاك، تجاوزًا على قوانين الدولة ، وضربًا بكل تعليمات الشرع عرض الحائط. * قد يتفذلك احدهم ويقول حمَّلتها فوق طاقتها وفسرت إيحاءات الخبر بما يتوافق مع أهوائك الذاتية فأقول هذا صحيح لان هذا الزمن الذي نحياه في ايامنا هذه اختلط فيه الحابل بالنابل فقولة الحق حتى وان كانت واضحة وشفافة إلا انها غير مقبولة لجرحها نفوس كثيرين.. كما أن تأكيد حتمية تبيان مكامن الخلل في البنية المجتمعية المحلية وضرورة اصلاحها أصبح من حساسيات الأمور، ودواعي الابتعاد عن المنبهين اليه، وكأننا غدونا مجتمعًا لا يرضى بغير الاستهلاك لكل شيء، حتى الخطأ وتحريف المبادئ. فاكس: 6718388 – جدة[email protected]