تحظى السلوكيات الشاذة بأولوية في بعض الصحف الإلكترونية، تثير كثيرًا من الاشمئزاز، فأخبار القتل والاعتداءات على العمالة، والقبض على شبكات الدعارة، وممارسات السحرة والمشعوذين، وعبدة الشيطان، ولصوص السيارات، وصرافات البنوك، ومصانع العرق، وأبطال الدهس المتعمد، وغارات فرسان معارك المشاعيب، والسلاح الأبيض في المدارس والشوارع وجبة صباحية كاملة الدسم، حتى يكاد يتخيّل القارىء أننا في مجتمع من الشياطين يتدثر بأردية الزهاد. وأغلب الردود التي تأتي من بعض الجهات أن القاتل، أو المعتدي، أو المنتحر مريض نفسيًّا، حتى أصبحنا أن المرض النفسي هو أعدل الأشياء قسمة بين المواطنين السعوديين، وكأننا بلا استثناء مجموعة من المرضى النفسيين. الخطورة في الأمر تأتي من جهتين، الأولى خارجية: وهي أن هذه الأخبار تخضع للرصد والمتابعة من جهات مغرضة، تتربص بنا الدوائر، وبحرفية إعلاميّة تقوم بعض المؤسسات الدولية، ومراكز دعم القرار في الخارج باستثمار هذه الممارسات في الضغط، والمساومة، والإملاءات، ونحن في كل يوم نقدم الأدلة الثبوتية بالمجان. والثانية داخلية: حيث يتم تطبيع الناس على هذه السلوكيات، وتصبح مع مرور الوقت لدى الشباب من الأشياء المألوفة التي يرى أنها تحدث كل يوم، فلا يكاد ينكرها أحد، وتسجل ضد إنسان مريض نفسيًّا. وقد أصبحت بعض المواقع تسارع إلى سحب مقاطع الفيديو التي تبثّ على الشبكة؛ لما تنطوي عليه من الاشمئزاز، وجرح مشاعر الناس، وفي النهاية ستشكل هذه المقاطع صورة نمطية عن مجتمعنا، تهدم في عام واحد ما بنيناه في عشرات السنين، ولو ألف بانٍ خلفه هادمٌ كفى فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم؟ إننا لسنا مجتمعًا من الملائكة، ولسنا كذلك كما تقدمنا بعض هذه الصحف مجتمعًا من الشياطين، نحن مجتمع يعيش على هذا الكوكب، له مشكلاته وإخفاقاته، ولديه تطلعاته وأحلامه، ولا ينبغي أن تتحوّل هذه الصحف إلى حاوية للنفايات، ويصبح مراسلوها كالذباب الذي لا يقع إلاّ على الجرح، ولا يرتمي إلاّ على السآمة. لقد أصبح تتبع عورات المجتمع ثقافة، ومادة قابلة للتداول، ومن تتبع العورات تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف داره. وليس معنى هذا أن نسكت على الخطأ، ونضع الضماد على الخراج، ولكن أن نكون منصفين فنرى المنظر من جميع زواياه، ونبحث عن الحسنة، ونفرح بها كما نبحث عن السيئة ونطير بها بحجة السبق الصحفي، وإثارة الفضول، وأحيانًا تصفية الحسابات. ولكن السؤال الذي يجب أن نفكر فيه جميعًا، لماذا أصبح الشذوذ ثقافة في أكثر رواياتنا، وهدم التابوهات نزعة لدى كثير من شبابنا، هل هي تفوق ثقافة ما بعد الحداثة، ونزع القداسة عن العالم، والثورة على الفضيلة، وفشل لمؤسساتنا التربوية، وضعف حصانة لدى شبابنا، أم هي موجة عابرة، وزبد سيذهب جفاء، وما ينفع الناس سيمكث في الأرض، وأننا غير مدركين لسيرورة الأفكار وسنن الكون، أسئلة يجب أن نجيب عنها ، فالناس لم يعودوا مقتنعين بأن الفاعلَ: مريضٌ نفسيًّا. [email protected]