رأت الفنانة التشكيلية لميس الحموي أن ما تقدمه من أعمال فنية هي رسالة ذات محتوى إنساني ووجداني، واعتبرت معرضها الشخصي الأول كان بمثابة نافذة لها على الساحة التشكيلية السعودية.. "الأربعاء" التقى لميس في هذا الحوار.. الخطوات الأولى * متى بدأت خطواتكِ الأولى مع الفنون التشكيلية؟. - صراحة لا أتذكر كيف ومتى.. أعتقد بأن حبي للرسم ورثته عن والدي وأعمامي، وعندما كنت صغيرة لم تكن تعني لي ألعاب الأطفال شيئًا، وكانت سعادتي الكبرى حين كنت أرى والدي يفتح خزانته المليئة بالألوان ويسمح لي باستخدامها، كنت أحلم كيف سأكبر بسرعة لأمتلك خزانة مليئة بالألوان وأقلام الباستل، ثم وبتشجيع من والدي تقدمت لمسابقة كلية الفنون الجميلة ونلت المركز الثاني، وبعد تخرجي بدأت بالعمل على إيجاد صياغة جديدة لأعمالي تكون بعيدة عن الأسلوب الأكاديمي، وساعدني في ذلك زوجي كونه يمتلك ذائقة فنية وقد عمل مسبقًا بمجال الفن. المرأة كل شيء * أصبحت المرأة هي المحور الأساسي في أعمالكِ الفنية، ما هو سبب هذا الارتباط؟. - أرى أن أي عمل فني يجب أن ينتهي إلى قول شيء ما.. ممكن لهذا الشيء أن يحمل رسالة جمالية أو من الممكن له أن يحمل رسالة ذات محتوى إنساني ووجداني وأمور أخرى، وقد احتلت المرأة الموضوع الأهم في غالبية أعمالي وأريد أن أُخصّها ببعض الكلمات، أغمس ريشتي لأختار ملامحها، وأحاول سحبها جاهدة لأرى ماذا خطت وبأي مداد سطَرت، فتتمرد وترفض الخروج من أعماق نفسها الغنيَة وأغوار مشاعرها النبيلة.. هي تلك المرأة بقربك دائما زهرة عطرة وقنديلا منيرا وجبلا شامخا وأمًّا حنونًا.. هي كل شي. * الفن لديكٍ فطرة أم دراسة؟. - برأيي أننا لانستطيع أن نحكم على الفن بأنه إما أن يكون موهبة وحدس فطري أو أن يكون دراسة واكتساب، فإن اقتنعنا بأن الفن اكتساب فقط نكون قد حصرناه في مجال العمل العقلي الذي يعمل تبعًا لمنظومة معينة ووفقًا للقوانين والمنطق حتى وإن جاء النتاج غاية في الدقة والكمال، ولكنه برأيي يبقى مجردًا من الروح التي هي عماد العمل الفني، وبما أن الفن هو أحد أهم الفعاليات التي تتجاوز العمل العقلي، فهو إذًا يعتمد في أساسه على الحس الفطري، ولا قناعة لي بعمل فني مهما بلغ من الدقة والإتقان ما لم يكن محملا بعبق من روح الفنان ومن اندفاعاته وصدق مشاعره، وبالمقابل أيضًا أرى أن أهم الفنانين المبدعين بالفطرة إن لم يوفقوا باستغلال مواهبهم وصقلها بالدراسة والمعرفة يكونوا قد فشلوا في استغلال هذه الموهبة التي هي زادهم منذ الولادة، ورأيي أن كلا الجانبين مكمل للآخر. معرضي الأهم * شاركتِ في العديد من المعارض الجماعية، ما هي المشاركه الأغلى في حياتكِ الفنية؟. - بالنسبة لي جميع المعارض كانت مهمة وأضافت لي الكثير، ولكن يبقى معرضي الشخصي الأول الأكثر أهمية، فقد كان بمثابة نافذة لي على الساحة التشكيلية السعودية، وقد لمست من الجميع كل الود والاحترام والتفاعل الصادق مع ما قدمته فيه من أعمال حينها، ولكن يبقى أهم معرض بالنسبة لي هو المعرض الذي لم أقدمه بعد، فدائمًا أشعر أن هناك شيئًا ما أريد التعبير عنه بأصدق وأبلغ المشاعر.. ربما السبب هو أننا عندما نعيش صور الحلم تكون مشاعرنا أصدق وأنبل وأرفع مستوى من أن نترجمها لواقع محسوس يُفقدها سحرها وخصوصيتها. أترك أفكاري تتبلور * ما هي الأسباب وراء قلة مشاركاتكِ الفنية؟. - عندما أشعر بأن لوحتي لن تضيف إسهامًا جديدًا لي وللمعرض الذي سأشارك فحينها أفضّل عدم المشاركة، وأشعرفعلا أني مقصّرة في مشاركاتي بالرغم من قناعتي بأن عمل الفنان الدؤوب يؤدي إلى ما يسمى بالممارسة البارعة التي تمكّنه من التحكم والقدرة على امتلاك جميع أدواته ومن السيطرة عليها، وهو مفيد جدًا برأيي، ولكن بالنسبة لي أجد صعوبة في ذلك، فعندما لا أشعر بأن حاجتي للرسم حاجة عفوية ونفسية فسوف تأتي النتائج محبطة جدًا بالنسبة لي وأشعر بأني بدأت أشكّل مصدر خطر حقيقي على نفسي، ولا أريد لذلك أن يحدث طبعًا بعد كل هذا الجهد، فأرتاح قليلا وأحيانًا أرتاح كثيرا لأترك أفكاري تتبلور بشكل أوضح مما كانت عليه. الفن والحرية * وماذا أضاف لكِ الفن التشكيلي؟. - برأيي أن الفن أضاف الكثير لمجتمعاتنا الإنسانية، إذ لم تعد مهمة الفرد منا قاصرة على تأمين حياته اليومية، بل أصبح وبتحريض من الفن يمتلك الدافع والطموح والقدرة على فهم وإدراك كل الأشياء، والفن ليس كتلة المادة والشكل والخط واللون يقوم بترتيبها الفنان لتكون ممتعة ومتآلفة، بل هو يرمي ليجعل من الصور أدوات للرؤيا وأن تفيض المشاعر لتأخذ شكلا ووجهًا واضحين، واستطاع الفنان تجاوز كل الماديات والذهاب بعيدًا إلى ما وراء العواطف والرغبات وإلى بناء علاقات أكثر نوعيه وانتقائيه مع محيطه الخارجي، ولقد أصبح أكثر تفاعلا وصدقًا مع حياته الداخلية، كما وأن الفن قد أتاح له جانبًا من الحرية التي مكّنته من التعبير عن أفكاره ومشاعره. الفنانة التشكيلية العربية * وهل استطاعت الفنانة التشكيلية العربية إثبات حضورها من خلال الفنون البصرية بشكل عام؟. - أرى أن الفنانة التشكيلية العربية قد وصلت واستطاعت إثبات وجودها، ولكن وصولها جاء متأخرًا مقارنة بما وصل إليه الرجل، فهي تبدو لي كسفينة تشق طريقها في المحيط الواسع وتجابه الرياح والتيارات والعواصف لتصل بأمان، وهذا لم يكن ليتحقق إلا بدعم من الرجل أبًا كان أو أخًا أو زوجًا، فنحن في النهاية نحيا في مجتمعات مازال الموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد سائدة، ونجاح الأشخاص مرتبط دائما بمقدار الحرية الممنوحة لهم باعتبارها المحرّض الأساسي على الإبداع، وهذا ما أدى إلى تأخر المرأة بسبب هذه المساحة القليلة من الحرية التي مُنيت بها، وهذه القيود والأساليب السلبية برأيي هي التي عرقلت التفتح الروحي والخلاق لديها، ورأيي أن وضعها الآن أفضل بكثير مما مضى والغلبة أخيرًا لمن يمتلك العقل الأرفع والحساسية الأعلى والطموح.. الطموح وحده الذي يحدد نجاحنا ويرسم مستقبلنا.