دعاني أحد الكتب إلى معرض الكتاب - ولبّيت الدعوة ؛ والآن أكتُب لكم من هناك . -بعد أن ركبت ليموزيناً في شوارع الرياض الأشبه بأغصان شجرةٍ أوراقها كثّة ، من أين جئت وكيف وصلت الحقيقة لا أدري ! المهم أن السيارة توقفت بي عند البوابة الغربيّة .. نزلت لأجد صديقي الكتاب ب استقبالي عرفته من عنوانه « فالكتُب تقرأ من عناوينها »، صافحني بمقدّمته .. وأدخلني إلى المعرض خلايا من الكتب وكتُبٌ من الخلايا و« جُمُوحٌ » من الناس قبل أن يُدخلني إليه ! - في صفحته الأولى كانت « علامة تحجّب » كبيرة ، نظرت إليها ونظرت إليه متسائلاً : لِمَ ؟! - ليجيبني هذا ما دعوتُك من أجله ، ثمّ قلَبَ الصفحة .. ليأخذني معه إلى« الصفعة » الثانية . - كان المكان أشبَه ما يكون بغرفة تحقيق .. مقعد وطاولة عليها ورقة وقلَم .. ومقعدٌ هناك في الجدار المقابل ولا شيء آخر .. أجلسني ك « متّهَم » وجَلَسَ ك « قاضٍ » ! -بادرني ب لهجةٍ حادّة وَ حِدّةٍ لاهِجَة قائلاً : « درت الكرة الأرضية .. وخالطت الشعوب بألوانها ولغاتها وثقافاتها ومآكلها و مشاربها ولم أجد مجتمعاً مثل مجتمعكم ، يعامل الكتاب القادم من الخارج كلفافة حشيش أو قنبلةً موقوتة قد تنفجر بأيّ لحظة .. وتبعثر « الفكر » إلى « الكفر » ! - في أيّ قرنٍ تعيشون ؟! .. ومن أيّ منطلقٍ ومنطقٍ تعقلون ؟! أنتم تعيدون حكاية التوجّس من « الراديو « قبل أكثر من أربعين سنة ، ولكن بشكلٍ بائس وجهدٍ يائس هذه المرّة .. خوفكم غير مبرر وتبريركم مُخيف فما عرفته عن هويّتكم من أصدقائي الكتب كفيلٌ بجعلكم الأكثر جرأةً والأقل توجّساً بين الأمم والحضارات ، فهويّتكم ليست هشّة ومعتقدكم هو الحقّ الذي تكفّل الله بحفظه وسيادته ، فلماذا أنتم بهذه الهشاشة ؟! ثمّ أجبني بصدق : أين ذهبت مناهجكم الدينية المكثفة وخطبكم وملتقياتكم ومعاهدكم وقنواتكم وبرامجكم التي لا تتوقف ليل نهار ؟! ثم هل صحيح أنّ منكم من رأى بالإبتعاث خطراً عليكم ؟! قرأت هذا الأمر في مانشيتٍ صحفي لكني لم أصدقه . - لماذا تستفيدون إذن من منجزات واختراعات الغرب إن كنتم تحاربون وتخافون الفكر الذي أنتج هذه الأشياء ؟! ستقولون نأخذ المفيد مما يصنعون !! .. حسناً لماذا لا تتعاملون مع فكرهم بنفس المنطق ؟! - ثمّ أيّ رقابةٍ يُطالب بعضكم بفرضها وكبسة زرّ كفيلةٌ ب إحضار أيّ كتابٍ من أيّ مكتبةٍ في العالم بل ومجّاناً أيضاً ، ثم هل تدركون أم لا تُدركون أنّكم بمنعكم تروّجون لما تمنعون .. وأنّ الكتب الأكثر توزيعاً وَ مبيعاً في كل عام هي الكتب الممنوعة - لديكُم - ؟! - أنتم كائناتٌ غريبة ياصديقي .. في أسبوعٍ واحد تحوّلتم جميعاً إلى مثقفين وقُرّاء نهمين .. وأصدرتم من « الضجيج » ما يسُدّ أذن السماء .. وما يجعل الأوراق في الكتب تتمنّى لو أنّها لا زالت في الغابة ، وفي النهاية تأتون لمجرّد الإستعراض الثقافي واقتناء الكتب لتتحوّل في منازلكم إلى تُحَفٍ وأدوات زينة يعلوها الغبار ، باستثناء ما يخصّ تفسير الأحلام والطبخ والعناية بالبشرة .. لا البشر ! فما « تفسيرُكَ لما يحدُث » ؟! -قال ذلك على « عتبة الفهرس » و على « فهرسة العَتَبَة » - أجبته : أظُنّ بأنّ ما يحدث هو « تفسيرنا » ولكن على طريقة « أصابع الموز » !!