نعيش حاليًّا مناسبة ثقافية تتمثل في المعرض الدولي للكتاب الذي سجل حضورًا نوعيًّا من حيث القدرة الشرائية، ومن حيث الإقبال الجماهيري الكثيف، ومن هنا تبرز أولوية الإشارة إلى قضية المنهجية في اختيارالكتب، إذ هي أمر في غاية الأهمية -ولا سيما لمن هم في أول الطريق- إذ ثمة كتب لا تولّد المعرفة بقدرما تعمق منسوب الجهل؛ لما تحويه بين دفتيها من محتوى ثقافي مشوّه لا ينجح إلاّ في استنزاف الوقت، وتبديد الطاقة، وتكريس روح الجهالة. الكتاب وعاء معرفي يُفترض أن تظل آلية اختياره قيمة منهجية حاضرة في عمق اهتمام المتلقي وأولوياته على نحو مستمر؛ لأن أي خلل يحدث في آلية البناء الثقافي الكلي سينعكس تلقائيًّا بالسلب، وبشكل مباشر وعميق على مجمل تركيب الذات التي سيتعذر بناؤها أن يبلغ يومًا تمامه، مادام يتكئ على ضرب من ضروب الاختيارالارتجالي المربك. الكتاب كأحد روافد الوعي هو سلاح ذو حدين، وكما أن ثمة كتبًا مكتظة بلطائف المعرفة، وكنوزالفكر القادرة على صياغة ذهنية منظمة مرتبة، بل ومتجاوزة، فثمة على الضفة الأخرى كتب معلولة لا تولّد إلاّ فعلاً معرفيًّا مفتقرًا للصلاحية، أونمطًا سلوكيًّا يتوافرعلى بواعث التجافي عن الصلاح. نعم هي قادرة على تشكيل إضافة ثقافية، ولكن في الاتّجاه الخطأ، حيث تبدأ مسيرة العدّ العكسي المتقهقر. وتأمّل في أي سلوك إلحادي، أو في أي ممارسة عنفية -كالتكفيروالتفجير- وستجد أن ثمة كتابًا مهّد لذلك، ونظّرلحيثياته، وصنع الأرضية اللازمة لانطلاق فعالياته، وتعاظم مداها على أرض الواقع. لكي تتسم القراءة بالفعالية، والتراكم البنائي الممنهج لابد أن ينطوي المقروء على المقومات الشرطية اللازمة لأصالة القراءة واطرادية تأثيرها. المعرفة روح الحياة والمنهجية هي قِوام المعرفة، وكل فعل قرائي لا يتأسس على تلك المنهجية فهو ضرب من الفعل الفوضوي المبعثرعلى نحو يحيل الفاعل القرائي إلى حاطب ليل تشوشت أفكاره، وتشتتت معلوماته، وارتبكت حيوية أدائه العام كنتيجة طبيعية لافتقاد المقوم المركزي الناظم لحراك البناء المعرفي. [email protected]