تمثل أنظمة الآثار في مختلف أنحاء العالم خط الدفاع الأول في مواجهة المخاطر بصورها المتنوعة التي قد تهدد الآثار والتراث الحضاري، وذلك من خلال تطبيق ما تتضمنه تلك الأنظمة من قواعد موضوعية وإجرائية بهدف حمايتها والمحافظة عليها. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يعد نمطًا تقليديًا للحماية، إلا أنه قد لا يكون كافيًا إذا لم يسانده وعي أثري من قبل المواطنين والمقيمين بأن الآثار مسؤولية المجتمع بأسره. وفي المملكة، كغيرها من دول العالم، تتعرض الآثار لتعديات بشرية تتمثل في السرقة والتخريب والتهريب والإزالة والتشويه، وهذه التعديات تفوق في ضررها الأخطار الطبيعية من الزلازل والبراكين والأمطار والسيول والحرارة والرياح، وكذلك الملوثات البيئية المختلفة. وتتم هذه التعديات البشرية بصفة شبه ملحوظة يوميًا في مختلف مناطق المملكة. وهناك أنواع من العبث والتعدي على الآثار، ولهيئة السياحة والاثار جهود كبيرة مبذولة للحد من هذا التعدي والعبث. من تلك التعديات: التوسعات الزراعية، ويتم في مثل هذه الحالات إزالة المواقع الأثرية بأكملها أو جزء منها عن طريق التوسع في المزارع القائمة بالقرب من المواقع الأثرية؛ حتى تصل إلى الموقع الأثري. التعدي داخل المواقع الأثرية المسورة بواسطة الرعاة. الزحف العمراني على المواقع الأثرية، وامتداد الرقعة السكانية، وازدياد المخططات السكنية دون مراعاة الجهات المخططة للمواقع الأثرية التي يمكن أن تتضمنها هذه المخططات. حفر أو نبش بعض المواقع الأثرية للبحث عن الثراء السريع من قبل لصوص الآثار. تخريب المواقع الأثرية وإزالتها والعبث بها بتشويهها بالكتابة أو بطمس بعض معالمها. رمي المخلفات في أماكن أثرية. تملك المواطنين بعض المواقع الأثرية أو جزء منها بحكم وجودها ضمن أملاك لهم. أسباب التعدي على الآثار: الجهل التام أو قلة الوعي لدى المجتمعات المحلية بأهمية الآثار وضرورة المحافظة عليها كإرث وطني. وعدم التنسيق بين الجهات الحكومية والجهة المختصة بالآثار، وتتم معالجة بعض الحالات الناتجة من ذلك بتدخل الجهة المختصة بالآثار، وفي معظم الحالات يكون التدخل في وقت متأخر. وتجاوزات بعض الجهات الحكومية أثناء تنفيذ بعض المشروعات التنموية. والاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية وعدم وجود لوحات تحذيرية أو علامات واضحة تبين حدود المواقع الأثرية. وغياب الصيانة الدورية للأسوار. جهود هيئة الآثار جهود الهيئة وتوجهاتها في حماية الآثار تضمنت خطة تطوير قطاع الآثار والمتاحف وعددًا من البرامج والمشروعات الخاصة بحماية الآثار والمحافظة عليها، ومنها: * سجل الآثار الوطنية.. يهدف هذا السجل إلى حصر وتسجيل المواقع الأثرية، والمعالم التاريخية، ومباني التراث العمراني في السجل الوطني للآثار؛ لتسهل مهمة إدارتها، والمحافظة عليها، وحمايتها. نزع ملكية المواقع والقطع الأثرية وتعتبر جميع الآثار الثابتة والمنقولة والمناطق الأثرية الموجودة في المملكة العربية السعودية من أملاك الدولة العامة، ويُستثنى من ذلك الآثار الثابتة التي يثبت أصحابها ملكيتهم لها. والآثار المنقولة التي سُجلت أو تسجل من قبل مالكيها لدى دائرة الآثار، ويتم التعامل مع المواقع الأثرية المملوكة للمواطنين من خلال تطبيق مواد النظام أو نزع ملكيتها وفق نظام نزع الملكية للمنفعة العامة. والتنسيق مع الجهات الأمنية في حماية الآثار. واستعادة الآثار الوطنية. ومراقبة وحراسة المواقع الأثرية، والتسوير، والتهيئة والترميم. وتنظيم الاتجار بالآثار. والتوعية والتعريف بالآثار، وقضايا سرقة الآثار، ويتم التعامل مع قضايا سرقة الآثار والتعدي عليها بالتنسيق المباشر مع وزارة الداخلية، ممثلةً في إمارات المناطق ومحافظاتها؛ حيث يتم إبلاغ إمارة المنطقة أو المحافظة بحالات التعدي أو السرقة، وذلك وفقًا لأحكام المادة ال 77 من نظام الآثار، وتتم محاكمة المتهمين بارتكاب المخالفات المعاقب عليها بمقتضى هذا النظام من قبل هيئة مؤلفة من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء، وتعد قرارات هذه الهيئة نهائية بعد تصديقها من رئيس مجلس الوزراء. * تهريب الآثار إلى المملكة.. تمنع الأنظمة الدولية تهريب الآثار وتداولها من الدول المجاورة للمملكة، وبيعها في السوق المحلي أو إعادة تهريبها إلى الخارج، والمملكة عضو في اتفاقية حول التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة. وتنفيذًا لهذه الاتفاقية تم إعادة قطع أثرية مهربة، وهي على النحو التالي: قطع أثرية مهربة من اليمن. وقطع أثرية مهربة من العراق. وجار إعادة قطع أثرية عراقية ومصرية مهربة تم ضبطها في المملكة بالتنسيق مع الإنتربول. * تهريب الآثار إلى خارج المملكة.. وذلك بإخراجها بطرق غير مشروعة خارج حدود المملكة، سواء من خلال المنافذ البرية أو البحرية أو الجوية أو عن طريق البعثات الدبلوماسية. وقد نصت الأنظمة الدولية على تحريم الاتجار غير المشروع في الآثار وتهريبها، ويتم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الداخلية ومصلحة الجمارك؛ للتصدي لمحاولات تهريب الآثار خارج المملكة أو إدخال الآثار المسروقة إلى المملكة والاتجار بها. حالات السرقة في المواقع الأثرية بالمملكة يمكن تقسيم حالات السرقة في المواقع الأثرية بالمملكة إلى قسمين: أولا: السرقة المنظمة تتم هذه الحالات في مواقع محددة سبق رصدها من قبل الجاني بخلفية مزاعم مكذوبة عن وجود كنوز أثرية في هذه المواقع، ويُروج لهذه الأكاذيب عن طريق بيع بعض الخرائط المزورة، أو عن طريق الروايات المنقولة كذبًا، وفي بعض هذه الحالات تتم الاستعانة بمشعوذين لاستخراج هذه الكنوز المزعومة، إضافة إلى الاستعانة بأجهزة كشف المعادن والمعدات الثقيلة؛ مما يلحق الضرر الكبير بالمواقع التي تتعرض لمثل هذه التعديات، ومن أمثلة ذلك: التعديات على القلعة الإسلامية بالحجر. والحفر في المنطقة الملاصقة لمباني سكة الحديد بالحجر. والحفر في موقع القصور الأموية بالمندسة شمال المدينةالمنورة. الحفر داخل مباني سكة حديد الحجاز وبالقرب منها على امتداد الخط من حالة عمار شمالًا إلى المدينةالمنورة جنوبًا، وخير شاهد على ذلك ما تعرضت له قلعة جَدَّاعة من أعمال حفر وإزالة لبعض أجزائها. والحفر في موقع روافة شمال غرب مدينة تبوك باستخدام معدات ثقيلة، وذلك بعد تهديد حارس الموقع بالسلاح. وأعمال الحفر بالقرب من قلعة المعظم. والحفر في المقابر النبطية في أعلى جبل الصفراء الشمالية بعينونة، حيث تم سرقة محتويات نحو ثلاثين مقبرة فردية. وسرقة الأحجار التأسيسية المثبتة في واجهات القلاع، مثل: قلاع الأزلم والزريب والمويلح في منطقة تبوك. وسرقة الأحجار التي عليها نقوش، والتي كانت مستخدمة في بناء بعض بلدات التراث العمراني القريبة من المواقع الأثرية، مثل: بلدة العلا، وحي الدرع بدومة الجندل. الحفر في مواقع المدافن الركامية والمقابر الأثرية في سائر أنحاء المملكة، وبخاصة في مناطق: تبوك، والجوف، والحدود الشمالية، وعسير، بحيث أصبح الجناة يفرقون بين المدافن الركامية التي يمكن أن توجد بها آثار، وأعلام الطرق. والغوص في المناطق الساحلية في المواقع التي توجد فيها آثار غارقة، وسرقة هذه الآثار، كما حدث في الشعيبة التي استخرج منها كنز تم تهريبه إلى خارج المملكة، وتمت استعادته مؤخرًا عن طريق الإنتربول والطرق الدبلوماسية. ثانيًا: النبش العشوائي في المواقع الأثرية تتم مثل هذه الحالات في كثير من المواقع الأثرية في المملكة داخل المدن وخارجها، حيث يتم الحفر بصورة عشوائية بحثًا عن الكنوز المزعومة، أو القطع الأثرية التي يمكن بيعها وتحقيق عائد مادي منها. ويلاحظ أن أعمال النبش طالت مواقع النقوش الكتابية، والرسوم الصخرية على نطاق واسع؛ اعتقادًا من هؤلاء الجناة أنها دلائل أو علامات على وجود كنوز أثرية مدفونة بالقرب منها. يقول الدكتور مسفر الخثعمي أستاذ التاريخ القديم المشارك بجامعة الملك خالد وعميد كلية المجتمع ببيشة: إن حكومتنا الرشيدة تولي اهتمامًا بالغًا بقطاع الآثار لقناعتها بالدور الحضاري والفكري الذي تلعبه، ونظرًا لما تزخر به المملكة من مواقع ومواد أثرية مختلفة، وتراث متنوع ومتميز، فإنه يجب العمل على تحقيق الاستفادة المرجوة من هذه الثروة من خلال فتح باب السياحة الآثارية لتحتل مكانتها الطبيعية التي تتناسب مع حجم الثروات الآثارية والتراثية المتوفرة في أراضيها، وهذا لن يتأتى إلا بتضافر كل الجهود من القطاع الحكومي والقطاع الخاص في سبيل تحقيق ذلك، والعمل على فتح المجال أمام القطاع الخاص لتحقيق الاستغلال الاقتصادي الأمثل لهذا المورد المهم، وذلك ضمن إطار ما تؤكد عليه خطط التنمية المتعاقبة للمملكة العربية السعودية نحو تحسين وتنويع مصادر الدخل، وزيادة اعتماد الاقتصاد الوطني على مساهمة القطاع الخاص من خلال التوسع في استغلال رؤوس أمواله في تمويل بعض المشروعات الحكومية، أو تحويل ملكية بعض الأنشطة ذات الطابع التجاري أو الخدمي إلى القطاع الخاص. بل إن للآثار والتراث أهمية ودورًا بارزًا في تفعيل علاقة الفرد الحميمة بمعالم هذا الوطن الأثرية وبتراثه المتنوع، وهنا تكمن أهمية ربط الآثار والتراث ربطًا مباشرًا بالتربية الوطنية التي تعنى بتوسيع مدارك الناشئة في كل ما يمت للوطن بصلة، وما يربطه بماضيه ويشعره بحاضره ومستقبله. ومن المؤسف أن الآثار في المملكة العربية السعودية تعرّضت طوال القرن الماضي ومطلع القرن الحالي للتخريب والتدمير من قبل بعض ضعفاء النفوس والجشعين الذين يبحثون عن المادة والثراء السريع ولا زالت تتعرض لذلك، وقد انتشر بين الناس، وخاصة في بعض جهات منطقة عسير ظاهرة البحث عن الكنوز، أو «الغلة» كما يسميها العوام في هذه المنطقة، ويعتقد هؤلاء أن الكنوز توجد حيث توجد الرسوم والنقوش، لذا أخذوا للأسف يحضرون السحرة من بعض البلاد العربية والإسلامية للاستعانة بهم في تحديد أماكن الكنوز على حد زعمهم، واستخدموا لذلك الجرافات (الشيولات) الأمر الذي أدى إلى القضاء على بعض الآثار في هذه المنطقة وغيرها، كما كانوا يقومون بالحفر والتنقيب بالأيدي عن طريق «المساحين والمناقب».