(1) هل تنظر ل «المسألة» -أي مسألة- بعيداً عن التأثير الذي يصنعه قبولك -أو رفضك- لصاحبها؟.. هل ناقشتها ووصلت إلى النتيجة، أم أنك استلمت النتيجة جاهزة، وتعاملت معها على أنها الحق، والحل، والقول الذي ليس بعده قول؟ لماذا تتعامل مع اختلافي معك –أحياناً- على أنه اختلاف مع أشياء أكبر منك ومني: إما ببعدها المقدس، أو الوطني.. وأن أي قول من أي زاوية مختلفة هو قول غير مقبول؟.. ثم: كيف تصنع مني -وببساطة متناهية- الخصم الذي يجب القضاء عليه؟! عصبيتك لصاحب (القول) هل تجعلك تتعامل مع قوله على أنه الحقيقة النهائية؟ هيبة صاحب (القول) والمكان الذي ينطلق منه و(موقعه) هل تمنح قوله لديك حصانة وقيمة؟ هذا الذي يقف على (المنبر) والآخر الذي يخاطبك عبر (الشاشة) والثالث الذي يتحدث إليك عبر (الزاوية) الصحفية.. لماذا تجعل (مواقعهم) تمنح كلماتهم وأقوالهم شكلاً من أشكال الحصانة، وترفض أن تراجعها بعقلك؟!. أنت من العامة.. الدهماء.. الجماهير... كل قضية أنت وقودها، وكل ضجة أنت صراخها المدوّي، وكل يوم وأنت من جنود (مسألة) جديدة! بالأمس كنت في (مسألة) واليوم (مسألة) وغداً (مسألة).. وأنت: نقطة ماء صغيرة في سيلٍ جارف! من الذي صنع هذا السيل؟.. لا تعرف -بالضبط- رغم أنه يخيّل لك أنك تعرف! إلى أين سيتجه هذا السيل، وسيصب في أي وادٍ؟.. لا تعرف أيضًا! ولماذا سال في هذا الوقت تحديداً؟.. ولماذا سال إلى هذه (المسألة) ولم يجرِ ماؤه إلى تلك (المسألة) الأهم؟! لم تسأل، ولن تسأل.. فالأسئلة تحتاج إلى عقل!.. فأنت أخذت (القول) على أنه الحقيقة النهائية، وأي مناقشة لها هو تشكيك في الحقيقة، أو مشروع رفض لها! منحت نفسك قداسة الحقيقة، وتنظر لأي مختلف معك بريبة، وتستعد له كما تستعد لأي خصم! وأنت نقطة صغيرة، تشعر بقيمتك لأنك جزء من السيل الجارف، هذا السيل الذي سيجرف كل من يقف أمامه.. هل سمعت بسيل توقف ليناقش الأشجار في الوادي؟ أنت من (العامة) من (الدهماء) و(الرعاع)!.. ودورك في المشهد: (نقطة ماء) في (سيل) له هديره. هل غضبت؟!.. أنت الذي وضعت نفسك بهذا الموقع، وأنت الذي عطلت عقلك وجعلت الآخرين يفكرون بالنيابة عنك!.. ويقررون بالنيابة عنك، ويشكلون منك ومن أشباهك كل (سيل) وكل ضجة، ويوجهونها للجهة التي يريدونها. بل إنك في هذه اللحظة لا تُفكر فيما أقوله لك، بل تُفكر برفض ما أقوله لك، وتفكر بألف طريقة بكيفية الانقضاض عليه وتسفيهه!.. لعله لم يرق لك؟.. لعله لامس شيئًا في داخلك.. وأنت لا تحب التفكير، فالتفكير يفضحك أمام نفسك؟!.. لعلك تراني خصمًا لك.. وستجد حلاً لإلغائي وإلغاء كل ما أقوله بأن لا تكتفي بجعلي خصماً لك وحدك، بل خصماً للجماعة ولكل ما تؤمن به؟! من الممكن أن تصنع مني عدواً قومياً، وتبحث عن التهمة المناسبة! ولكن، من المحتمل أن تُرضي نفسك، وتقول: لقد صدق!.. والرضا ينبع من أنك تُخرج نفسك من هذا المقال -والمعنيين فيه- وكأنك خارج المشهد.. وتشاركني بفضح المشهد، وتنسى أنك جزء منه! (2) تشعر بريبة كبيرة تجاه ما قلته لك! خطوط الدفاع لديك استنفرت كافة دفاعاتها، وشحذت كل أسلحتها، فمن أنا حتى أشكك بعقلك؟!.. أو أربك السائد الذي اعتدت عليه؟ والحل الأسهل لديك: رفض المقال.. والتشكيك بنوايا صاحبه! أرجوك: راجع أقوالك، ومواقفك، تجاه ما يحدث حولك.. حرّك هذا العقل، وقرر ما تراه، بعيدًا عن وصايات الأوصياء.. وتذكر: أنا لست خصمك! (3) أرجوك.. اقرأ المقال مرة أخرى، وهذه المرة: لا تحمل معك أحكامك المسبقة!