ما الذي يزعج الموظف – أي موظف في الأرض – من كاميرات المراقبة؟ يقول البعض إنها – أي الكاميرات انتهاك للخصوصية. فما هي الخصوصية المنتهكة بالكاميرا في العمل؟ هل جاء هذا الموظف – أي موظف – إلى مكتبه، أو ميدان عمله، لينام – مثلا – أو ليقرأ الصحف لا سمح الله، ويتناول طعامه وشرابه، أم ليخلع ملابسه – والعياذ بالله – ليبقى عاريا وكأنه في غرفة نومه، أم ل \"يشخط\" في هذا المراجع – بعيد عنا – أو يكشر في وجه ذاك، أم ليعلق فوق رأسه لوحة مكتوب فيها \"راجعنا بكرة\" حتى لا يكلف نفسه عناء نطقها أمام إزعاج وكثرة المراجعين، أم إنه سيدع مكتبه خاوياً من وجوده معظم ساعات الدوام لأنه \"يزوغ\" في كل ساعة خمسا وأربعين دقيقة، خارج الإدارة لقضاء شؤونه، أو في المقهى القريب، أو داخل الإدارة، للسوالف وسعة الصدر؟ بعد علامة الاستفهام هذه، أقول – ورزقي على الله – لا شيء من هذا يحدث. ولا شيء من هذه الاحتمالات السابقة يخشاه الموظف، لأنه لا يفعله، ولأنه يدرك أن مجيئه إلى العمل يعني فهمه ووعيه، بأن له مهمات واضحة يؤديها كل يوم، وهو في كامل لياقته وقيافته، متحليا بكامل عقله، وأخلاقه، وإخلاصه، وصدقه، ورغبته في إنجاز ما يوكل إليه في أقصر زمن ممكن، وبدقة متناهية، وأداء راق. إذن لماذا تزعجه كاميرا المراقبة؟ يقول البعض إنها – أي الكاميرا – تعني أن الشك مقدم على الثقة، ولهذا فهي مزعجة، بل قد تكون مثبطة للمخلص والنشيط سابقا – أي قبل الكاميرا -، والسؤال الآن أوجهه مباشرة لأخينا الموظف المخلص والنشيط، الذي – قطعا – اكتسب صفة الإخلاص والنشاط لأن غيره من الموظفين فاقدون لها لأسباب مختلفة، والسؤال يقول ألا تريد أن يصبح زملاؤك مثلك؟ ألا تريد أن يعرف رئيسك إخلاصك ونشاطك وانضباطك في مقابل تسيب وإهمال الآخرين؟ ألا يزعجك – مثلا – أن مراجعا بدون حق تطاول عليك أو شتمك، ولم تجد من زملائك سوى ابتسامات ساخرة لأنك أفضل منهم، ثم لم تجد منهم سوى شهادة ضدك عندما وصل الأمر للمدير أو الشرطة؟ ألم يغبنك أن زميلك الكسول دائماً المزوغ يومياً يتصدر اجتماعاتكم مع المدير ويحظى باحترام أكبر لأنه ألحن قولاً وأفصح كلاماً وأكثر ادعاءً للإخلاص والنشاط، وأنت لا تجد حجة واقعية تدعمك، وتثبت عكس ما يقوله عن نفسه وعنك؟، أنت قطعاً يهمك ما تتضمنه إجابة سؤال واحد على الأقل من الأسئلة السابقة، ولعل لديك المزيد من الأسئلة سواءً حول مستوى وطبيعة الأداء داخل الإدارة التي تعمل فيها أو لأنك فقدت ذات يوم جوالك، أو حتى قلمك أو أي شيء مهم و\"فص ملح وذاب\". بعد أن تقرأ بهدوء، وتتأمل بعمق، وتفكر بموضوعية في كل ما تقدم من المقال، ستجد نفسك تلقائياً تطالب بحماس، بتعميم كاميرات المراقبة على جميع الإدارات الحكومية، والشركات والمؤسسات، فأنت موظف هنا، ومراجع هناك، ومثلما يهمك أيها النشيط المخلص إنجاز معاملات الناس هنا، يهمك أن تجد من ينجز معاملاتك هناك، بل ويهمك أيضاً أن ترى حتى مديرك الذي لك عليه تحت عين الكاميرا التي لا تظلم ولا تخاف ليعرف رؤساؤه في الإدارة العامة، أو في الوزارة لماذا أنت لك عليه كما أنك بكل تأكيد تحب ما يعزز أمنك في كل طريق وسوق، وما يمنع عنك مخاطر المجرمين، ومتهوري قيادة السيارات. وقبل أن أختم مقالي هذا، أرجوك في تقديم خدمة بسيطة تؤجر عليها بإذن الله، وهي خدمة ذات شقين، شقها الأول أن تكتب رسالة من تسع عشرة كلمة تقول فيها \"كاميرات المراقبة مطلب حضاري أمني في الطريق والسوق ومطلب حضاري وتنظيمي ضروري للغاية فوق رأس كل موظف... انشر تؤجر\" وترسلها بجوالك إلى كل من تعرف، أما الشق الثاني فترسل برقية بنفس المضمون إلى زملائك موظفي الشؤون الاجتماعية في منطقة حائل الذين انزعجوا من \"كاميرات المراقبة\"، أما مديرهم فسأنوب عنك وأقول له من هنا، أنت سابق لعصرك، سباق لكل خير يخدم الوطن فشكراً يا \"سليمان الرشيدان\". ستفخر بك \"حائل\"، بل والوطن كله ذات يوم.