اليوم تكرّم الجنادرية واحدًا من أبرز فرسان الشعر والكلمة والأدب والفن في المملكة العربية السعودية؛ تقديرًا لعطاءاته وإسهاماته البارزة في مسيرة الشعر والأدب والثقافة في بلادنا الغالية.. اليوم تكرّم الجنادرية مهندس كلمات السلام الوطني السعودي وأحد مبدعي أوبريتات الجنادرية.. إنه الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي، والذي اختارته «جنادرية 27» هذا العام لتكريمه والاحتفاء به كشخصية العام الثقافية.. من مكة الانطلاقة في حي سوق الليل أحد أشهر الأحياء القديمة بمدينة مكةالمكرمة، وُلد الشاعر الكبير إبراهيم بن عبدالرحمن بن حسين الخفاجي، الذي عُرف واشتهر ب «إبراهيم خفاجي»، وذلك في عام 1354ه، وهو سليل أسرة أدبية علمية ثقافية، كان جدّه الأول أحد علماء المسجد الحرام ومن أصحاب حلقات الدرس. بدأ شاعرنا الكبير حياته التعليمية بمدرسة الفلاح بمكةالمكرمة، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة دار العلوم الدينية، ثم انقطع عن الدراسة العامة والتحق بأول مدرسة للاسلكي وتخرّج منها مأمورًا لاسلكيًا عام 1364ه، وبعدها التحق بإدارة البرق. وخلال حياته العملية تنقّل الخفاجي بين قرى ومدن المملكة إلى أن عاد إلى مكةالمكرمة ليعمل في قسم الأخبار بالنيابة العامة. وفي عام 1373ه انتقل إلى قسم الاستماع بالإذاعة، ثم إلى وزارة الصحة حيث عمل بقسم المحاسبة إلى أن أصبح رئيسًا للقسم ثم وكيلًا للإدارة المالية، وفي عام 1972م التحق بمعهد الإدارة بالقاهرة وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال والإدارة المالية فأصبح مديرًا للإدارة المالية بوزارة الزراعة لشؤون المياه بالرياض. بعد ذلك عاد إلى مكةالمكرمة وأصبح المفتش المركزي لوزارة الزراعة والمياة بالمنطقة الغربية. وفي عام 1389ه أحيل إلى التقاعد بناء على طلبه بعد خدمة تجاوزت ال 25 عامًا. الحياة الأدبية والثقافية الشاعر الأستاذ إبراهيم الخفاجي عاصر خلال مشواره مع الفن والأدب والثقافة العديد من رموز الغناء في الحجاز والعالم العربي، وقد كان منذ صغره عاشقًا للإبداع والفن والثقافة. عشق القراءة والكتابة وهو في سن مبكرة، لقد نشأ الخفاجي وسط أسرة عاشقة للأدب متذوقة للفنون، ووالده عبدالرحمن كان عازفًا على آلة الناي، وكذلك خاله، وقد التحق والده وخاله بفرقة موسيقى الشرطة في بداية تأسيسها في عهد الملك عبدالعزيز. من هذه النشأة وخلالها، شق شاعرنا الكبير طريقه ومشواره في مجال الكلمة والشعر والأدب والفن. عاصر رواد الشعر والغناء في منطقة الحجاز، أمثال: حسن جاوا، وسعيد أبو خشبة، وحمزة شحاتة، ومحمد حسن عواد، وحسين، وغيرهم كثير، فأخذ منهم، وتعلم، واستفاد، وتعرّف على الفنون والأدب بالشكل الصحيح والسليم. يا ناعس الجفن من الفنانين الأوائل الذين التقى بهم الخفاجي كان الموسيقار العميد طارق عبدالحكيم، وقد كانت بداية معرفتهم في مدينة الطائف، وتوطدت العلاقة بينهم لتثمر أعمالا فنية خالدة ما زال صداها يردد إلى اليوم، فقد وجد الخفاجي في موسيقى طارق عبدالحكيم مجالا خصبًا للإبداع، وكان هذا الإبداع مشتركًا بين الاثنين، وقدما سويًا روائع فنية كانت بدايتها بأغنية «يا ناعس الجفن»، والتي قال الأستاذ الخفاجي أنه كتبها عام 1364ه عند بداية تخرّجه في مدرسة اللاسلكي وكان عمره حينها 19 عامًا، وقد تم تسجيل هذه الأغنية رسميًا عام 1952م، وغناها ولحنها العميد طارق عبدالحكيم وحققت نجاحًا كبيرًا وبعد ذلك غناها العديد من المغنيين والمغنيات. وتواصل التعاون بعد ذلك بين الهرمين الكبيرين (طارق عبدالحكيم والخفاجي)، ليقدما أروع وأجمل الأعمال في تاريخ الأغنية السعودية الحديثة، حيث لحن وغنى الأستاذ طارق عبدالحكيم الكثير من كلمات الخفاجي، نذكر منها: أغنية «وآسرتي بالحسن»، و»لنا الله»، و»ألا يا سيد»، و»مظلوم»، و»أقول يا ناس»، و»يا حمام الحرم»، و»يا لابس الإحرام». كما لحّن طارق عبدالحكيم العديد من كلمات الخفاجي التي تغني بها مجموعة من المطربين والمطربات العرب، نذكر: أغنية «أشقر وشعره ذهب» وغنتها الفنانة سميرة توفيق وهذه الأغنية حصلت على جائزة هيئة الإذاعة البريطانية (B.C.C) كأفضل أغنية في أوائل السبعينيات الميلادية، وأغنية «أنا أستاهل الرعوة» وغنتها المطربة هيام يونس، وأغنية «البعد والحرمان» وغنتها المطربة صباح. طلال مدّاح جميع المطربين والمطربات السعوديين تغنوا من كلمات الأستاذ إبراهيم خفاجي، فمؤسّس الأغنية السعودية الراحل الكبير طلال مدّاح (يرحمه الله) كان من أوائل المطربين السعوديين الذين صدّحوا بروائع الخفاجي، وقدما سويًا العديد من الأعمال الخالدة في تاريخ الأغنية السعودية، والأستاذ الخفاجي ما زال إلى هذا اليوم يؤكد أن الفنان طلال مدّاح هو رائد الأغنية السعودية ويرى أن رحيله لا يعوّض، وقد قدم الأستاذ طلال مداح من ألحانه وكلمات الخفاجي، الروائع التالية: «أسمر من البر» وهذه كانت أول أغنية بين الاثنين، والطريف أن الأستاذ الخفاجي عند بداية معرفته بطلال مدّاح لاحظ عليه وجود (لدغة في حرف الراء وهذه كانت معروفة عند مؤسّس الأغنية السعودية) فقام الخفاجي بكتابة أغنية خصيصا لصوت طلال وكثّف فيها حرف الراء الذي لا يجيده طلال، وكان الخفاجي يتعمد ذلك لأنه يرى في هذه اللدغة جمالًا إضافيًا لصوت طلال مداح الرائع الطبيعي وقد نجحت هذه الأغنية كثيرًا وبخاصة بعد أن عرف طلال ما فعله الخفاجي. ومن الأعمال الرائعة الأخرى التي جمعتهم، أغنيات: «تصدق ولا أحلفلك»، و»مرّ بي يا صلاتي على النبي»، و»كأنك منتى عارفني»، و»شاءت الأقدار»، و»لا تلوموني في هواها أبها»، و»الشوفة معزوزة» من ألحان سامي إحسان، و»بالإشارة وأنا حذر الأوامر» ولحنها الدكتور عدنان خوج. كما تعاون الخفاجي في تلك الفترة مع الفنان الكبير الراحل عبدالله محمد، وقدما سويًا الكثير من الأعمال الناجحة، نذكر: أغنية «حيران وليّ سنة»، ولحّن عبدالله محمد العديد من القصائد التي قُدمت بأصوات آخرين أمثال محمد عبده الذي غنى من ألحان عبدالله محمد وكلمات الخفاجي أغنية «إيش لعوب با دا المدلل» وأغنية «وفّي دينك». تواصل الروائع كما تعاون الخفاجي مع ألحان الموسيقار جميل محمود في العديد من الأعمال الرائعة، نذكر منها: يا مسلّمين بالعيون عشنا وشفناكم» و»فرق كبير» و»في ذمتك» و»سافر وروح» التي غنتها المطربة الراحلة رجاء بلمليح. كما لحّن الموسيقار الراحل عمر كدرس العديد من كلمات الخفاجي، ومن أشهرها أغنية «التجرب عمتني» والتي غناها الفنان محمد عمر. ولحّن الموسيقار سراج عمر العديد من أشعار الأستاذ الخفاجي، مثل أغنية «يا حبيبي آنستنا» التي غناها محمد عبده، وهذا الأخير قدم الكثير من أشعار أستاذه الخفاجي. كان الأستاذ إبراهيم خفاجي من أوائل من اكتشفوا موهبة محمد عبده الفنية في بداياته، فأخذه وقدمه للموسيقار العميد طارق عبدالحكيم والذي لحّن لعبده عدة أعمال من كلمات الخفاجي ومنها أغنية «لا تناظرني بعين»، وقدم له أغنية «لنا الله» وهي كانت أغنية معروفة آنذاك وغناها الكثير من المطربين، وقدم محمد بعده بعد ذلك من كلمات الأستاذ الخفاجي أغنيات: «ما في داعي»، و»هيا معي»، و»يا صحبتي يا سماري»، و»من فتونك والدلال»، و»شفت خلّي»، و»ظبي الجنوب»، و»صبيا»، و»أنا المولع بها، أوقد النار»، و»مالي ومال الناس» من ألحان الموسيقار سامي إحسان، و»إنت محبوبي» من ألحان سامي إحسان أيضًا. كما تغنى من أشعار الخفاجي الفنانون والفنانات ابتسام لطفي وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله. عرايس المملكة الأستاذ إبراهيم خفاجي ليس بغريب على الجنادرية، فهو دائم الحضور لها سنويًا، وفي عام 1416ه كانت كلمات الخفاجي تتألق في حفل افتتاح المهرجان، فقد كتب شاعرنا الكبير كلمات الأوبريت في ذلك العام (جنادرية11)، واختار لهذا الأوبريت عنوان «عرايس المملكة» واستغرق في كتابته حوالى ثمانية أشهر، وشارك في غنائه كل من: طلال مدّاح وعبدالمجيد عبدالله ومحمد عبده وراشد الماجد. وقد كان الخفاجي ذكيًا -كعادته- عندما كتب هذا الأوبريت، فهو الشاعر الوحيد من الذين كتبوا أوبريتات الجنادرية قام بتوثيق اسم «الجنادرية» في النص وفي المقطع الذي يقول: وتعالوا متّعوا الأنظار في حفل الجنادرية تشاهد في لياليها بدور الحسن مجلية شاعر النشيد الوطني المحطة الأهم والأبرز في حياة ومسيرة شاعرنا الكبير كانت عندما تم تكليفه بكتابة السلام الوطني السعودي. عن ذلك يقول شاعرنا لكبير بنفسه: «في تلك الفترة كان الملك خالد في زيارة إلى جمهورية مصر وبينما كان في المنصة الرئيسية عُزف السلامان الملكي السعودي والمصري وكان السلام الملكي السعودي حينها عبارة عن موسيقى فقط فطلب الملك خالد من المختصين إعداد كلمات لنشيد وطني يكون مطابقا للموسيقى الموجودة في ذلك الوقت، وأنا وقت هذا الطلب كنت متواجدًا في القاهرة فطلب مني المسؤولون أن أقوم بعمل كلمات النشيد الوطني وسلموني شروطا عدة، وبالفعل أراد الله عز وجل أن أوفق في عمل النشيد الوطني بكلماته وفق الموسيقى الموجودة، والتحدّي الذي كان يواجهني هو كيف لي أن أوجد كلمات على موسيقى موجودة أصلًا وفي العرف الغنائي أن الموسيقى هي التي تُوضع على النص وليس النص على الموسيقى ولهذا استغرق مني كل هذه الفترة الطويلة وكان هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وقد بدأ بث النشيد رسميًا بكلماتي أثناء افتتاح واختتام البث الإذاعي والتلفزيوني اعتبارا من يوم الجمعة 1/10/1404ه». والجدير بالذكر أن شاعرنا الكبير نال وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى تقديرًا لقيامه بكتابة نص السلام الوطني السعودي.