على الرغم من سهولة كلمات النشيد الوطني، إلا أنها استغرقت ستة أشهر، لينجزها إبراهيم خفاجي لتواكب موسيقى السلام الملكي السعودي، التي كانت تعزف دون كلمات، منذ عهد الملك المؤسس، فارتأى الملك خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله- صياغة كلمات للنشيد، واختير الخفاجي لينجز النشيد الوطني الذي بث لأول مرة في الأول من شوال عام 1404. بعدها بعام واحد، منحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله - ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى مع البراءة الخاصة بها، تقديراً لدوره في كتابة كلمات النشيد الوطني. لم تكن تلك المشاركة الوطنية الوحيدة للخفاجي، الذي اختارته الجنادرية كشخصية للتكريم هذا العام، إذ لم تخل مسيرة الأغنية السعودية من أعمال وطنية عديدة صاغ كلماتها الخفاجي، واكبت الأحداث التي مرت بها المملكة، ولعل آخر تلك الأعمال، أغنية "كوكب الأرض" التي جاءت بالفصحى، وواكبت الحملة الإرهابية التي تعرضت لها المملكة، وشدا بها محمد عبده. في عام 1416 استغرق الخفاجي 8 أشهر لينجز أوبريت "عرائس المملكة" الشهير، الذي استوحاه من خلال معرفته مناطق المملكة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، إبان عمله مفتشا زراعيا، فتشبع من مخزونها الثقافي والتراثي، وصاغ ذلك التشبع في لوحات غنائية، شدا بها طلال مداح، ومحمد عبده، وعبدالمجيد عبدالله، وراشد الماجد، في الدورة الحادية عشرة من مهرجان الجنادرية. وفي ذات العام كرمته جامعة أم القرى، كما نال تكريماً من فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة في شعبان 1420، تقديراً لعطاءاته الممتدة على مدى أكثر من نصف قرن للأغنية السعودية. الخفاجي الذي لقب ب"جواهرجي الأغنية السعودية" يملك رصيدا كبيرا من القصائد المغناة، تتجاوز ال800 نص، شدا بها أبرز الفنانين العرب، وشكلت الأغاني الموقعة باسمه مراحل مهمة في تاريخ الأغنية السعودية، بعد أن كان قد قدم أول نص غنائي له تحت عنوان "يا ناعس الجفن" والذي لحنه وغناه طارق عبدالحكيم. ويرجع تكوين الخفاجي الفني والوجداني إلى حي "سوق الليل" أحد أعرق أحياء العاصمة المقدسة الذي اشتهر بمناخ فني وغنائي يحتفل بالموروث كفنون الدانة والصهبة ويماني الكف وهي فنون جماعية كانت تملأ أزقة ومقاهي الحي. في قلب هذا الحي، وتحديداً في عام 1345، ولد إبراهيم بن عبدالرحمن حسين خفاجي لأسرة عريقة اشتهرت بالثقافة والأدب، وتشرب معرفيا، وصاغ وجدانه الفني. في ظل تلك الأجواء والمناخات العابقة بالفن والموسيقى بزغت موهبته الشعرية في وقت مبكر، ليسجل اسمه أحد أبرز أعلام الشعر الغنائي في المملكة والعالم العربي، ويسهم في تطوير الأغنية السعودية، ونقلها من محيطها الإقليمي، لتنتشر عربياً، عبر تعاونه مع أصوات عربية، ومنهم وديع الصافي، ومحمد قنديل، وإحسان صادق، وصباح، وجاكلين، وسميرة توفيق، وشريفة فاضل، وهيام يونس، ناهيك عن مشاهير الأغنية في بلاده، طلال مداح، ومحمد عبده، وعبادي الجوهر، وعبدالمجيد عبدالله. ليجيء تكريمه الليلة كمحطة مضيئة في مشوار حافل تجاوز نصف قرن من العطاء المتوج بألق الكلمة الغنائية، التي استحق أن يكون "جواهرجيا لها".