أخذتنا عكاظ في عددها 16588 إلى جيل العملاقة فكان سردًا ممتعًا مع الشاعر والفيلسوف السيد محمد حسن فقي رحمه الله، القامة السامقة في تراث الوطن الشعري والأدبي واضعة خيوطًا تحت أحداث حياته الهامة كجسر يربط بين ماضينا الجميل لنعبر عليه إلى واقعنا الثقافي الحاضر بكل ما فيه. فعشنا مع الشاعر والفيلسوف السيد محمد حسن فقي لحظات جميلة بين فنه وشعره وذكرياته في مراتع الصبا، حيث ولد وعاش في مكةالمكرمة يتيم الأب والأم. درس في مدارسها ونهل من شتى العلوم والمعارف فيها قرأ كل أدب تلك الفترة الجميلة في حياة الأمة ووجد ضالته في الشعر الجاهلي فقرأه مستشعرا ما فيه وفي شتى الكتب الأدبية الموجودة في مكتبات مكةالمكرمة آنذاك لطه حسين والعقاد والمازني والرافعي وميخائيل نعيمة وجبران والزهاوى والجواهري والأخطل وبدوي الجبل كان كل من هؤلاء قاموس قائمًا لوحده بل جامعة تؤكد مقولة الفقي رحمه الله من هؤلاء كانت مصادر معارفي. عاصر أمثاله من كبار الأدباء والمثقفين والشعراء الذين اثروا الساحة السعودية في تلك الأيام الخوالي بمسامراتهم الثقافية وقطوفهم الأدبية، كانت الساحة مليئة بالقامات الأدبية والشعرية والقصصية وكانت المكتبات رغم قصور المواصلات وصعوبة انتقال الكتاب بين فواصل الجغرافيا وحدود التاريخ إلا إنها كانت عامرة بالكتب والمجلات والدواوين في شتى الفنون والآداب والعلوم. كانت القراءة متاحة للجميع وكان جيل يقرأ ويناقش ويبحث، فهو ليس جيلًا يهمه الحصول على المعلومة جاهزة كما هو جيل اليوم الذي أطلق عليه صديقي الدكتور فؤاد عزب أنه جيل معلومة وليس جيل ثقافة. وكان اغلب مثقفي تلك الأيام الخوالي يعشقون القراءة ومطالعة الكتاب والحرص على اقتنائها والتهامها أكثر من مرة. لقد سمعت في أكثر من مناسبة إن الفقي في السعودية أغزر إنتاجا من الجواهرجي في العراق... له ثمانية دواوين شعرية قام المرحوم الأستاذ محمد صلاح الدين صاحب دار السعودية للنشر والتوزيع آنذاك بجمع بعض من شعره وطباعة دواوينه الثمانية ولا زال بعض من شعره لم يجمع بعد فقد اشتهر عن المرحوم كثرة النسيان. وقد تبنى هذه العبقرية الشعرية الفذة معالي الشيخ / أحمد زكى يماني أمد الله في عمره. فكان من الذين ساعدوا على جمع تراث الفقي، ونشره كشاعر مبدع غزير الشعر والإنتاج أنشأت مؤسسة يماني الثقافية الخيرية جائزة أطلق عليها جائزة الشاعر محمد حسن فقي تهدف هذه الجائزة إلى إثراء الشعر العربي ونقده وتشجيع الأدباء والشعراء على الاهتمام بالشعر كظاهرة صوتية عربية قديمة وكذلك دراسة النقد الشعري، وتكريم المواهب المرموقة في الوطن العربي وخارجه في الإبداع الشعري ونقده وتحفيز الشعراء والأدباء والمهتمين على الاحتفال بالشعر والنهوض بفنونه إضافة إلى طبع الأعمال الفائزة في الشعر والنقد، وتتكون الجائزة من فرعين الأول جائزة للإبداع في الشعر العربي وتمنح لأفضل ديوان شعر، والثاني جائزة للإبداع في نقد الشعر وتمنح لأفضل عمل في دراسة الشعر العربي ونقده وقد فاز بهذه الجائزتين العديد من الشعراء والنقاد المشاركين في هذه الجائزة من شتى دول العالم العربي فأثروا الساحة الأدبية بالكثير من الحراك الشعري والنقدي، وقد استمرت الجائزة في إقامة احتفاليتها على مدى اثني عشر عاما ويصاحبها العديد من الأنشطة الشعرية والأدبية والمحاضرات ودراسة الأبحاث تحت اسم الملتقى العلمي المصاحب لاحتفالية الجائزة وقد تعددت مواضيع الجائزة فكان لها اسم وعنوان في كل عام يتم اختياره بالتوافق بين الرئيس والأعضاء. مثل مكةالمكرمة في الشعر العربي. والعواصم الثقافية العربية وحركة الشعر. القدس في الشعر العربي. اتجاهات الشعر الجاهلي بين الغنائية والموضوعية، علما أن أول احتفالية كانت في العام 1994 م وقد أطلق عليها اسم (الفقي شاعرا). وقد تناولت الاحتفالية الأولى شعر الفقي بين الكلاسيكية والرومانسية ثم كانت الاحتفالية الثانية بعنوان التجديد في القصيدة العربية المعاصرة وقد كان للشعر المسرحي نصيبا في الدورة الرابعة التي دارت حول الشعر المسرحي. لقد كانت كل احتفالية كما حرص صاحبها (شفاه الله وعفاه) أن تكون موضوعا فكريا وشعريا ونقديا يدعو إليه كبار النقاد وأساتذة العلم والأدب من العالم العربي لتقديم دراساتهم العلمية ذات الطابع الأكاديمي، وقد لعبت هذه الجائزة دورا كبيرا في إثراء حياتنا الثقافية والفكرية وأثرت لغة الضاد بما جادت به قريحة المشاركين في هذه المشاركات، وقد توقفت الجائزة مؤقتا لأحداث الربيع العربي في مصر ولكنها لازالت قائمة تحكى طموح إنسان عشق لغة القرءان التي هي أساس متين لقيمنا الروحية والعقلية والإنسانية، هذه اللغة العظيمة التي تدعوا إلى أعمال العقل واحترام الفكر والوجدان وتقدير منازل الاجتهاد. كان من دأب صاحب الجائزة معالي الشيخ يماني أن يرسل إلى كل اللجان التي تضم جهابذة العلم والثقافة والشعر والأدب المجموعة الكاملة لأعمال الفقي وقد سمعت أكثر من مرة شدة الإعجاب والانبهار بهذا الشاعر الكبير وعبقريته الشعرية الفذة فكانت هذه الجائزة السبب الأساسي والرئيسي في نشر شعر الفقي والتعريف بشخصيته التي وصفها أصدقاؤه المعاصرون في ذلك الزمن الجميل زمن الصفاء والنقاء والتنافس الشريف الذي لا يفسد للود قضية، فالشاعر الأديب المرحوم محمد على مغربي يقول عن الفقي حينما تلطف آخى وصديق الشاعر العبقري الأستاذ محمد حسن فقي فطلب منى تقديم ديوانه الأخير. دهشت لان محمد حسن فقي الشاعر اكبر من أن يقدم للناس فهو قد فرض نفسه على الناس بما قدم لهم من شعرة الرائع على مدى عقود طويلة من الزمان قصائد شعرية ورباعيات يومية تصافح عيونهم في كل يوم ويتداول هذا الشعر ويتحدثون عنه حديث الإعجاب والتقدير فهل بعد هذا كله في حاجة إلى تقديم محمد حسن فقي، اسم فرض نفسه على الناس في بلادنا على مدى عقود كثيرة من الزمان وهو من الشعراء الأفذاذ المكثرين إذا عد الشعراء في هذا العصر فهو واحد من أبرزهم ونستطيع في بلادنا أن نفاخر به شاعرا وعبقريا من كبار شعراء العرب في هذا الزمان لتثبت الأيام صدقة مقولة المغربي رحمة الله ويوفق الله معالي الشيخ/ احمد زكى يماني بعد أن خلع حلة الوزارة أن يتفرغ لمثل هذه الأعمال الجليلة التي من ضمنها جائزة شاعر مكة إضافة إلى موسوعة مكة والمدينة والتي صدر الجزء الخامس منها قبل أيام. ويقول الأديب العطار رحمه الله أن حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم السيد محمد حسن فقي لا يجهد من يريد أن يقف على حقيقته وأخلاقه فهو من الوضوح لا يختفي منه شيء ولكن الإجهاد يأتي من تتبع مكارم أخلاقه لكثرة هذه المكارم الحفيلة التي تدر ضروعها من صنوف الخير والحسن والفضيلة والجمال ما يعسر حصره ويتعذر تعداده، وعندما نذكر محاسن السيد الفقي الكثيرة فإننا لا نعطيه شيئا عن أنفسنا وإنما نصفه ببعض مزاياه وخلائقه وغيرهم من أدباء عصره الذين انزلوا السيد محمد حسن فقي منزلته اللائقة بذائقته الشعرية ومكانته الأدبية وقامته الفكرية في سماء الوطن، وقد عرف معالي الشيخ احمد زكى يماني ألبسه الله ثوب الصحة والعافية هذه المكانة وهذه القدرة الشعرية فعمل على بقائها حتى بعد موت صاحبها لتحكى للدنيا مكانة هذا الشاعر وتفوقه وأننا ارض تعطى الخير وتنثر المحبة وتقدر الشعر وتفاخر به فهو ديوانها الدائم. نتطلع جميعا إلى الله عز وجل أن يشفى الشيخ أحمد زكى يماني ويطيل الله في عمرة فخيرنا من طال عمره وحسن عمله. ليلتقي المحبون والعاشقون على نهر الحب الصافي يسمعون الشعر ويتذوقونه لترتفع النفوس وتصفى القلوب ويكون الخير والحق والجمال ورونق المتميز في دوائر الإبداع ورحم الله السيد محمد حسن فقي وأسكنه فسيح جناته. [email protected]