يبقي الشعر أحد السمات الرئيسية للشخصية العربية لإرتباطه باللغة التى تجمع أركان الوطن وتوحد لسان ساكنيه، وتحتفي مؤسسة يماني الخيرية كل عام بالشعر العربي من خلال ندوة موسعة لدراسة أثر الأماكن في الشعر العربي جائزة شاعر مكة التى تمنحها لشعراء مجيدين رفعوا شأن اللغة وبينوا جمالياتها في أبيات الشعر. وفي هذا السياق أقامت المؤسسة مؤخرًا حفلاً لتوزيع جوائز الدورة العاشرة لجائزة شاعر مكة محمد حسن فقي حضره رمز الثقافة المصرية والسعودية من بينهم السفير هشام ناظر سفير خادم الحرمين الشريفين بالقاهرة والدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية، ووزير التعليم المصري السابق الدكتور يحيى الجمل، ومحمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، وعدد من الشعراء والنقّاد الذين فازوا بالجائزة في دوراتها السابقة، ومنحت المؤسسة جوائز الدورة العاشرة لشاعر مكة إلى الدكتور يوسف نوفل الأستاذ بكلية البنات جامعة عين شمس عن كتابة “هجرة الطير من القول إلى التأويل” في فئة الإبداع في نقد الشعر، وجائزة الإبداع الشعري مناصفة للشاعرين المصريين ياسر أنور عن ديوانه “ورقة في بريد المتنبي”، ومسعود حامد عن ديوانه “الخيلاء”. في احتفالية الدورة العاشرة لجائزة شاعر مكة محمد حسن فقي.. غياب رموز الجائزة وقد ألقى الشيخ أحمد زكي يماني رئيس مؤسسة يماني الخيرية كلمة خلال الحفل جاء فيها: نحتفل الليلة بتكريم من فاز بالجائزة ونتطلع إلى الأفضل في السنوات القادمة، ونرجو أن تستمر الجائزة إلى الأبد ونكرم الشعر العربي لأن مثل هذا العمل يدخل السرور إلى نفوسنا في زمن تضاءلت فيه أسباب السعادة”. مضيفًا بقوله: “غاب عن أعيننا شاعر مكة الذي تحمل الجائزة اسمه الشاعر محمد حسن فقي، ولكننا لا ننساه لأنه رفع مكانة الشعر العربي، ونال عبقرية نادرة في الشعر، فغاب بنفسه وبقيت عبقريته للأجيال القادمة، وأيضًا الأمين الأول لهذه الجائزة أحمد فرّاج الذي غاب بجسده وبقي فضله في هذه الجائزة ووهب نفسه لها وعمل ليل نهار لتنهض وتصبح بشكلها الحالي. فن العربية الأول فيما وصف الدكتور عماد أبوغازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة جائزة شاعر مكة بأنها تأكيد على الاحتفاء بقيمة الشعر في سياق قوله: “استمرار الجائزة يعد تأكيد على أهمية الشعر الذي يعد فن العربية الأول، مهما تنوعت الأنواع الأدبية، يبقي للشعر العربي المكانة الرفيعة بين فنون الإبداع، وما بين مكة التي ينتسب إليها الشاعر وأقدم مهرجانات الشعر والقاهرة التى تحتضن الثقافة العربة يأتى هذا اليوم تتويجًا لتلك العلاقة التاريخية الممتدة بين المكانين، وتعبيرًا عن أهمية الاحتفاء الخاص بالإبداع الشعري. الأدعياء وتزييف التاريخ أما الناقد الدكتور يوسف نوفل الحائز على الجائزة في فرع نقد الشعر، فقال في كلمة له عقب حصوله على الجائزة: “يمنح الله الحكمة والعقل للحكماء من عباده وينعم عليهم بفضله فيسهمون في بناء المجتمع، لذلك شيدت معظم الصروح العلمية بفضل الهبات التى قامت بها جامعات هارفارد وفؤاد الأول وعلت منارات مثل جائزة نوبل وفيصل والعويس ويماني والبابطين، الحضارة في حاجة الى عظماء مثل من له هذا العطاء الثقافي من تلك المؤسسة المرموقة وشيخها الجليل أحمد زكي يماني”. مضيفًا: “الشعر عنوان الأمسية ومطمح المؤسسة، وإن تأملناه جيدًا سنعرف أنه سبب وجودنا العربي أمام ادعياء نفوا وجود هذا الوجود ويحاولون تزييف التاريخ لصالحهم فادعوا أنهم الجذور في المنطقة، وأننا على السطح هائمون، ونسبوا لأنفسهم أطعمتنا وآثارنا لاقتلاع جذورنا، ولكن يبقي الشعرالذي يقف كوثيقة تاريخية لأسلافنا حين قالوا إن الشعر ديوان العرب، وسجل مآثرهم وظل على مدى قرون، ولذلك بات حقًّا علينا أن نزود عن هذا الفن والوثائق الشعرية لأنه أقوى دليل على الوجود العربي. تكريم وشهادات كذلك كرمت المؤسسة خلال الحفل الدكتور محمد مصطفي الشكعة وزير الثقافة التونسي الأسبق، والناقد الدكتور عبد السلام المسدي، واسم الدكتور الراحل عبد الحكيم حسان أستاذ النقد بجامعة القاهرة، والدكتور الراحل محمد أبو الأنوار رئيس قسم الدراسات الأدبية بدار العلوم، كما قدمت درعًا خاصًّا للأمين الأول للجائزة الدكتور أحمد فراج تسلمها الدكتور أحمد كشك الأمين العام الحالى للجائزة. المدينةالمنورة في الشعر العربي” وفي سياق الاحتفالية استضافت القاهرة على مدار يومين ندوة “المدينةالمنورة في الشعر العربي” التى أقيمت بمناسبة احتفالية الدورة العاشرة لجائزة شاعر مكة محمد حسن فقي، وقدمت الأبحاث المقدمة دراسات نقدية حول تناول قيمة المكان في الشعر العربي، واختلف الباحثون في جلسات الندوة حول موقف النقاد القدامى من أشعار شاعر الرسول حسان بن ثابت بعد الإسلام ومدى تشابهه مع ما كتبه في الجاهلية،خاصة أن أكثر النقاد كان يتحدثون عن بيت شعري واحد أو جملة طرحت في القصيدة بخلاف المناهج النقدية الحديثة التى تتناول القصيدة كلها نقديًّا، وأثار الدكتور عثمان موافي أستاذ الأدب بكلية الآداب جامعة الإسكندرية قضايا نقدية خلال ورقته البحثية التى ألقاها خلال الندوة حول “الموقف النقدي من شعر حسّان بن ثابت” ونقله لمقولة إن الشعر بابه الشر وإن دخل من باب الخير سقط، مما أثر على قوّة حسّان الشعرية بعد اعتناقه الإسلام عما كان عليه في الجاهلية. وبرر موافي قوله بأنه كان يشيع قديمًا أن لكل شاعر شيطانه الذي يلهمه الشعر وهذا لا يتفق مع أشعار حسّان بن ثابت في مدح رسول الله لأن المدح والرثاء من الطيبة، فأتى الشعر بلغة تخاطب العقل وليس الوجدان، وأضاف موافى بأن تعرض حسان بن ثابت للخمر في قصائده كان نوعًا من التقاليد الفنية، والتزامه بمخاطبة الناس بما يفهموه مثلما فعل عمرو بن كلثوم في معلقته حين بدأها بالحديث عن الخمر ليعبر عن القوة والشجاعة. وتناول موافي تعليق الناقد الجاهلي النابغة الذبيانى على أبيات حسان دون القصيدة كلها قائلاً: “نظرة النقاد القدماء إلى البيت الواحد على أنه وحدة بناء القصيدة وليس لديهم المعايير التى ننتهجها الآن فلديهم كان البيت الشعري يحمل الحكمة ويقيس جمال القصيدة، ورد الدكتور يوسف نوفل قائلاً أشعار حسان أختلفت بعد الإسلام لما حدث له من تغيير فكري ولم يعد يحتاج لأن يكون شاعرًا فحلاً مثلما كان في الجاهلية، وحتى في تناوله الخمر في قصائده كان الغرض منه التنبيه إلى أثرها على عقول الناس. في حضرة شعر حسّان وأرجع الدكتور عبد الله التطاوي التحول في شعر حسان بن ثابت إلى منطلق قضية الالتزام على المستوى الديني والمعرفي واستخدامه مادة معجمية لم تكن مطروحة في الجيل الأول من حياته في الجاهلية، قائلاً: أعتقد أن هناك ثمة خللا نقديا في ذاكرة الأصمعي كان وراء وصفه لشعر حسان بالليونة أو هذا الضعف لأنه كرر المصطلحين في أكثر من موضع دون الإشارة إلى عوامل هذه الليونة والضعف،ويبقى السؤال حول الفحولة الشعرية في الجاهلية وما حدث من تحول في تراكيب اجتماعية في صدر الإسلام، الالتزام في شعر حسان لا يبتعد عن الشاعرية، وما أثير حول قضية الخمر أعتقد أنه كان خمرًا شعريًّا وليس الخمر الذي يعاقب عليه الإسلام ولا يجلد من يذكر الخمر في شعره، وهناك خلل في المناهج النقدية القديمة لأنهم لم يستخدموا النظريات التي نستخدمها الآن في نقد القصيدة فكانوا ينقدون جملة أو بيتا واحدا يجذبهم ولم يدرس أحد القصيدة كاملة كما نفعل الآن. تحديث أساليب نقد الشعر واتفق باحثون في الجلسة البحثية الأولى للأحتفالية مع مطالبة الدكتور أحمد درويش أستاذ النقد بجامعة الأزهر بإعادة فرز ما كتب في مدح النبي محمد لإحياء الجيد منه واستبعاد المقصر على يقين بإخلاله، بعد تغير الفنون الأدبية بعد الإسلام وتحول الفخر الجاهلى بهجرة النبي إلى مدح في خصائل الرسول، وضرب مثالاً بشاعر الرسول حسّان بعد أن كان شاعر الفخر تحول إلى شاعر يمدح فضائل النبي وطالب البعض بتحديث أساليب نقد الشعر النبوي وقال التطاوي: "مناهج نقد الشعر تقتضي الموضوعية والنقد الأدبي يقوم على التجرد، فهل من الممكن أن يتناول الباحثون المدائح النبوية بتجرد وموضوعية مثلما يضع دستور النقد الأدبي. عبقرية المديح ووصف الناقد المصري أحمد درويش مصطلح أشعار مدح النبي بالعبقرية في ثنايا قوله: "من الملاحظات العامة حول أشعار المديح في الشعر عبقرية المصطلح لأن من الطبيعي أن ما يقال بعد الرحيل "رثاء " ولكن مدح الرسول بعد وفاته اعتبر دليلاً على استمرارية تأثيره في الحياة حتى يمدح بيننا دائماً".وطالب درويش بإعادة تصنيف ما قيل في وصف الرسول مشيرًا إلى ان ما قاله شاعر النبوة حسان بن ثابت في حياة النبي كان أقرب إلى الشعر السياسي , ولكن شعر المدح بعد وفاته لم ينتهي حتى الآن وأوجد له مكاناً كجنس أدبي يبقى التأمل في أسماء المدنية كمكان عاش فيه الرسول وشيوع المسميات التى تتصل بحاسة الشم مثل طيبة وأصبح المصطلح الأكثر شيوعاً في تسمتيها بالمدينةالمنورة ، لأن النور حل بها مع وجود الرسول بها. كذلك شهدت إحدى جلسات الندوة إثارة موضوع المدينةالمنورة في الشعر الأندلسي للدكتور الطاهر أحمد مكي حيث يظهر مشاعر القداسة التى تعكسها المدينة في وجدان شعراء الاندلس منهم أبو الحسن بن حمدون الأندلسي وقدم الدكتور عاصم حمدان بحثاً حول مدرسة الشعر الملحمى والوطني في بيئة المدينةالمنورة منذ القرن الثانى عشر الهجري وحتى القرن الرابع عشر، وقدم الدكتور عالى القرشي ورقة بحثية حول شخصية المدينة الشعرية التجليات والتشكيل من خلال قراءة في نصوص شعراء المدينة المعاصرين، فيحلل حضور المدينةالمنورة في الذاكرة والوجدان ويفصح من خلال النصوص الشعرية لمجمعوة كبيرة من الشعراء المعاصرين عن ملامح شخصية المدينة الشعرية الواضحة في كون المدينة رمزا وحوارًا مركبًا.