في ندوة أدبية برابطة الأدب الإسلامي (فرع القاهرة)، أهدى إلي الشاعر المصري النوبي محيي الدين صالح، مدير مكتب فرع هذه الرابطة، ديوانًا شعريًا له يحمل عنوان «نوديت من وادي النخيل»، مطرزًا بتعليقات أدبية ذات بلاغة فكرية أخاذة من قبل أحد أساطين النقد والبلاغة والسرد البديع؛ الناقد والشاعر إبراهيم شعراوي.. ولم أكن أعلم من قبل أن صاحب هذا الديوان قد أخذ بألباب النقاد إلا عندما تصفحت أوراق هذا الديوان ذي الأوراق (المخملية) والحروف (اللؤلؤلية) والثمار (المرجانية). وعندما انتهيت من السياحة الاستطلاعية ثملت، وشعرت بشيء من المتعة وطربت، وكدت لم أصدق بأنه لا يزال يوجد بين ظهرانينا شاعر بهذا الثقل مستتر وراء تواضعه الجم، وأدبه الملفت، وخلقه السامي، فمن تتاح له فرصة قراءة هذا الديوان لا يملك إلا أن يصاب بالدهشة والانبهار لما يجده من عذوبة الأشعار وبلاغة الأفكار، بل يكاد أن يسمع حفيف أوراق الشجر والأزهار، وتغريد البلابل فوق الأشجار، وخريرالجداول والأنهار.. وليسمح لي القارئ الكريم أن أصحبه معي في رحلة شاعرية إلى شاطئ هذا الشاعر (السندسي)، ذي الجواهر النادرة (واللؤلؤ القرمزي)، ولنبدأ بهذين البيتين البليغين: ضلت أمانيه فصارت قصة تلهو بها الأهوال في بحر خضم كالفلك تجري فوق أمواج الهوى والناس غرقى فيه إلا من رحم وفي قصيدة عنوانها «صرخة نوبية» يقول: حين شاءت مصر أن تنعم كانت (نوبتي كبش الفداء) إذا أقاموا سدها العالي وألقونا جميعًا في العراء فافترشنا الأرض في الصحراء أعوامًا تغطينا السماء ولنأخذ شيئًا مما أنشده في مؤتمر الأدبيات العربيات بالخرطوم: يا نساء العرب.. إني تهت عن ركب القبيلة في زمان صار فيه الخوف عنوان الفضيلة إلى أن يقول: يا نساء العرب لم يبقَ فأيامي سويعات بخيلة لست كالحجاج في صولاته يا هند فالأفراس ما عادت أصيلة صوني خيلنا يا.. أروى صهيلة أو عندما يخاطب قومه الذين سباهم وادي النيل حتى كادوا يبذلون الأرواح فداء له: سباكم عشق وادي النيل حتى جعلتم مهره عقدًا فريدا ولما أينعت سمر الأماني وشئتم أن يكون اليوم عيدا خطبتم ودنا وصلا فجئنا فأصبحنا لهذا القصد جيدا وبما أنني لا أخفي سرًا عن إعجابي من قبل ومن بعد بكوكبة مختارة من شعراء مصر الحبيبة من أمثال الشاعر العملاق محمد يونس، والشاعر الكبير محمد التهامي، والشاعرالجماهيري فاروق شوشة، والشاعر الجميل أسامة عسل، والشاعر والناقد القدير إسماعيل بخيت، والشاعر القدير جلال عابدين، إلا أن شاعرنا المعني في المقال هذا شاعر من نوع آخر يستحق تقديرًا (خاصًا)؛ بل يستحق أن ينال (جائزة) المملكة العربية السعودية، جائزة الجنادرية التقديرية التي تمنح لكبار شعراء الوطن العربي ولا أظنه إلا أهلا لذلك، قياسًا على ما يملكه هذا الشاعر من عذوبة شعرية، ومقدرة فكرية، وفحولة أدبية. وفي هذا السياق يساورني الإعجاب أن أدلو بدلوي بشيء من جهد المقل المتمثل بإعجابي الشديد بديوان هذا الشاعر النادر: لم نصل بعد لبيبانك ما مر عليَّ (يا محيي) ديوان يشبه ديوانك ولا جرجت أشجاني أبدًا أوزانًا تشبه أوزانك عرجت إليه في ليلي فبلغت أقصى شطآنك فدخلت رياضك ملهوفًا خوخك أمتنعني ورمانك ففتحت كنوزك في شغف ورأيت مناجم مرجانك وطلعت جبالك مشتاقًا ونزلت سهولك ووديانك لم أجد فيها ولا شبرًا إلا قد صبغ بألوانك شعرك (يا محيي) أطربني أرغمني أبرمج عنوانك ولتعلم أني وأمثالي لم نصل بعدُ لبيبانك (*) عضو النادي الأدبي بجدة / عضو اتحاد كُتّاب مصر