كان كل شيء يحلو في هذه الفترة ... حتى الإعلانات التجارية كنا نحاول أن نختلس النظر إليها وعذرنا فيها الراحة عدا عن العلاقة الحميمة التي تربطنا بالمطبخ في تلك الفترة بحجة الغذاء السليم ...!! ولكن بالرغم من ذلك تظل الرابطة التي نعقدها مع المادة قوية .. إذ يخيّل إلينا أننا لو تركنا الكتاب للحظات حتى لو انتهينا باكرًا .. فإننا لن نستطيع الإجابة ...فنحن نتصوّر بأنه كلما مكث الكتاب بأيدينا أطول فترة ممكنة كلما تمكنا من الإجابة في الاختبار ... فكما لو كان وجوده بين أيدينا يعطينا الأمان والراحة ... أما اليوم فقد نُزعت رهبة الاختبار من صدور أبنائنا ...!! ولا مجال هنا للمقارنة ولكنها مجرد وقفة ...!! إذ لست أدري هل أبارك لوزارتنا..أم أعزي ...؟!! فالواقع الذي نعيشه السنوات الأخيرة مؤسف مع الأسف .. خصوصًا مع تدني الدرجات النهائية التي يحصل عليها أبناؤنا بالرغم من هشاشة أغلب مناهجنا التي جعلت من هذا الجيل هشًا في معلوماته وثقافته وحصيلته الدراسية ... إذ لم يعد هناك ما يسمّى بالجدية في الاختبارات فأغلب أبنائنا يعيشون هذه الأيام كأي يوم عادي يمرون به ...نوم ... متابعة البرامج المفضلة ... آخر مستجدات النوادر والطرائف ...الملل ..!! ولا ننسى الاطمئنان على الحالة من خلال جهاز « التوت الأسود « اختبار تايم ...!!! مذاكرة تايم ...!! فهذا أهم ما في أيام الاختبارات !! أما مادة الاختبار المقرر فهي قصة ما قبل النوم ... !!! الأمر عادي ... فقد اختفى ذلك الاستنفار الذي تبدأ به الأسرة ... والذي يعلّم الطلاب أبجديات التنظيم والتخطيط ... والجدية إذ أن الوالدين متذبذبان بين ما يسمعان من برامج توعوية ... فأحدهم يطلب منهم أن يكونوا حذرين في هذه الفترة فلا يطلبون من أبنائهم أن يستذكروا أصلا لأن هذا قد يؤثر على نفسياتهم ... فهذا من شأنه أن يعقّد الابن الذي قد يكره الدراسة ... !!! معه حق فهو طوال السنة يلعب ... وبين ( الفلة والوناسة ) وقد يصاب بحالة نفسية بمجرد أن تقول له : ما المادة التي ستختبرها غدًا ؟!! وضع محزن ..!!! وبرامج أخرى تتحدث عن شبح الاختبارات وكيف يقضون على هذا الشبح ...؟!! وأتعجب إن كان ما يزال موجودًا أصلا والذي أظنه هرب منذ سنوات خلت ... منذ أن أصبح التقييم استراتيجية أساسية في المرحلة الابتدائية ... !!! وإن كان هناك شبح ... فهو من صنع الإعلام لا أكثر ... والراصد لوضع طلابنا في وقت الاختبار يدرك كم هي القيم العظيمة مهدورة في هذه الفترة القصيرة والتي تهدم ما قد نبنيه طوال الفصل الدراسي ...فيكفيه أن يأتي ليرى بعد اختبار الرياضيات أو أي مادة أخرى يشعر الطالب بأنه بذل مجهودًا جبارًا فيها ...!!! كيف هي حال الكتب يرثى لها فهي ممزقة ومتناثرة بشكل يضيّع هيبة العلم ... فكلّ شيء مباح ... فلا أحد يجرؤ على فرض أي عقاب مهما كانت فداحته بحجة الاختبارات ...!!! وبالرغم من كل ما نرى من مساوئ أثناء هذه الفترة الحرجة ... إلا أنه يظلّ هناك طلاب هم منارات تفخر بهم الأمّة ... فهم أنوارتعكس جهدًا جبارًا يبدأ من ذواتهم التي يبذلون في سبيل الارتقاء بها جهدّا رائعًا ... ويساعدهم في هذا الأسرة الواعية لحجم أهمية تنمية أبنائها ... والمدرسة المدركة لعظم مسؤوليتها في إعداد جيل ينهض بالأمة ... والمجتمع الذي يعكس نتاج أفراد مخلصين ... وكما نحتاج الكثيرين من أبنائنا أن يكونوا كهؤلاء ... نحتاج من مجتمعنا أن يستيقظ من سباته ويعلم أنّ الحياة كلها اختبارات علينا الاستعداد لها ... فكيف بنا نهاب من اختبارات تقيس المعرفة والمعلومات ونصنع قضية هي في الأصل يُفترَض أن تُستثمَر لصالح بناء جيلنا ...؟!! حنان سعيد الغامدي-جدة