أول ارتقاء للعالم وفي العالم كان بأدمغة وعقول عربية وسعودية، من قلب جزيرة العرب، كان العلماء الأفذاذ -الذين أضاءوا للعالم العقول والفكر، وبددوا بنور العلم ظلمات الجهل في كل الأقطار- كانوا قد بزغوا من موطن الإسلام، حيث شعاع نورهم ملأ الأرض بالعلم والعدل والخلق الكريم، وامتد بهم مشرقاً إلى أوروبا ودول الغرب التي كانت ترزح تحت وطأة الجهل والظلم والتخلف.. وقد استفاد الغرب أيما استفادة من (العلماء المسلمين) الأُوّل في سابق الزمان، دون أن ينتظر أو يُفكِّر هؤلاء العلماء الأجلاء بمردود مادي أو أي مقابل آخر، كما يُفكر بعض علماء اليوم، لأن العلم بمفهومه الحقيقي (رحمة وإنسانية) لا تستطيعه إلا النفوس الكبار..! وحيث إني سمعت وأسمع كثرة اللغط والأقاويل التي تبثها مجلة «ساينس» الأمريكية حول جامعاتنا السعودية، واستقطابنا لبعض العلماء سعياً منا في تحسين الأبحاث العلمية، واحتلال تصنيف متقدم ضمن الجامعات العالمية، وندفع في سبيل ذلك الأموال الطائلة مقابل مشاركتهم المحدودة، ونحن نعلم جيداً أن أسماء العلماء ليس مهمة في التصنيف العالمي للجامعة بقدر أهمية مشاركة هذا العالم المتميز في البحث العلمي، فهذا العالم قد يُكسِب البحث العلمي سمعة جيدة من حيث النتائج أو المخرجات التي تضفي فوائدها الإنسانية على المجتمعات البشرية. وهذا مما ننادي به دائماً جامعاتنا الموقرة، حيث تعلّمنا من كتاب الله عز وجل ومن هدي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، أن أصل وأساس العلم البحث العلمي، فإن سألنا طالب علم أو باحثا متخصصا لوجدناه أحوج الناس إلى الأستاذ الجامعي النابغة القوي، والمشرف الأمين الصادق، والعامل بإخلاص المتمكن من مادته ومن فكرته، ولوجدناه الأحوج للمعلومة الدقيقة والصحيحة، وللمفهوم القوي الواضح، وللحقيقة في كل مجالاتها، فهو في حاجة لأن يدعم (بحثه) بالعالم المتمكن، يحتاج القوة العلمية السليمة التي تكسب بحثه العلمي التميز والارتقاء والصواب، فتغدو مخرجات بحثه بفائدة تنفع وتفيد مجتمعه والمجتمعات الإنسانية، حيث يفعّل هذا العلم لينتفع منه الناس، فالبحث العلمي هو درجات ارتقاء الجامعات وتقدمها حتى يأتي تصنيفها من أوائل الجامعات في العالم، وهو الركيزة الأساسية في تبصير الناس وإفهامهم، وهو التقدم والحضارة والفتوحات والنور الذي نحتاجه لتحسين أوضاعنا، ولإيجاد الحكمة والعمل بها، هو وحدة وطن وتحسين معيشة، ونهوض شامل بالتنمية، هو صلاح الأفراد والأخذ بأيديهم لمصاف الكمال، البحث العلمي الجيد هو إبحار في العقل البشري نحو الإيمان واليقين، نحو النور والحق والصدق، نحو الحقيقة، فهو رحمة للناس إن أردنا للناس الخير.. وهنا المسؤولية عظيمة على علماء وأساتذة وباحثين أو طلاب البحث العلمي في أرض الحرمين، حيث أهم الركائز التي تعتمد عليه أمتنا تفعيل العلم بمفهومه الصحيح، ودوره الإيجابي على الفرد والمجتمع.. فالمطلوب منكم أيها الأفاضل أن تثروا البحث العلمي وتطوروه، وحاولوا جاهدين أن تصلوا به لأفضل النتائج، واستثمروا علماءنا السعوديين وادعموهم مادياً ومعنوياً، ولا بأس من بعض الاستشارات الأجنبية، ومشاركتنا نبوغهم ومعرفتهم وخبراتهم وتجاربهم قبل أسمائهم اللامعة. * إن إثراء البحث العلمي يعني مقوماته المتوفرة للباحث، يعني الأمانة والإخلاص في العمل الدؤوب من كل القائمين والمسؤولين في الجامعة، يعني الحرص والإخلاص على إعطاء المعلومة الصحيحة والدقيقة، والإفهام العميق الصادق والجيد بأمانة الحصيف المتمكن، نعم فالبحث العلمي يعني خطة تعليمية ناجحة، من خيرات نتائجها إيجاد حلول لكل المشكلات العالقة والعقبات الحائلة دون التقدم والارتقاء، والله المستعان.