كثر الكلام حول ما ورد في مجلة ساينس (العلوم) حول استقطاب بعض العلماء للمشاركة في الأبحاث العلمية التي تقدمها الجامعات السعودية سعيًا لتحسين صورتها في التصنيفات العالمية، وحتى تكون من ضمن الجامعات المتقدمة عالميًا، بحيث تدفع لهم الأموال الطائلة لمشاركتهم المحدودة في مجريات البحوث. إن وضع أسماء العلماء اللامعين والمميزين في العالم على الأبحاث ليس هدفا في حد ذاته، وليس من معايير التصنيف العالمي، ولكن وجود هذه الأسماء تعطي قوة للبحث العلمي، وتؤكد على جودة مخرجات الأبحاث وفائدتها للمجتمعات الإنسانية وهي المحك الأساس لتميز الجامعة وعلو شأنها. إن البحث العلمي هو أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الجامعات في ترسيخ وحدة الدولة، وتحسين أداء أفرادها، وإيجاد حلول لمشكلاتها، والنهوض بتنميتها الشاملة للوصول بها إلى أرقى المستويات التي ينشدها المجتمع، إذن لا عيب في الجانب الأكاديمي أن يستعان بإشراك الآخرين من المميزين والمشهود لهم بالفكر النير في وضع حلول للمشاكل البحثية التي تواجه المجتمعات الحضرية، ولا ملامة على الجامعة أن تستقطب بعض الكفاءات من العلماء المميزين في مشاركة الباحثين السعوديين للاستفادة من خبراتهم في تخصصاتهم العلمية إثراءً للبحث للوصول إلى نتائج أفضل. لقد نهضت الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها على أكتاف العلماء القادمين إليها من خارج حدودها، والذين أثروا البحث العلمي، وكتبوا وطوروا ووصلوا إلى نتائج مذهلة، وبذلك رفعوا من شأن جامعاتها، وحسنوا من مستوى أداء طلابها، حتى أصبحت جامعاتها تتبوأ المراكز الأولى عالميا، وهذه كندا تمنح الجنسية الكندية لحاملي الدرجات العليا من العلماء ليشاركوا في بناء نهضتها. الجامعات السعودية غنية بالكفاءات من العلماء القادرين على العطاء في مختلف التخصصات، وقد أثبتت إسهاماتهم العلمية على جميع المستويات (المحلية، والإقليمية، والدولية)، أنهم لا يقلون شأنا عن بقية العلماء في العالم، وأنهم قادرون على العطاء والتميز إذا ما توفرت لهم مقومات البحث العلمي، ولا ينقص من قدرهم مشاركتهم للعلماء المميزين في العالم -كما هو معمول به في معظم جامعات العالم المتحضر- والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم. إذا كان هناك خلل في فهم استقطاب الجامعات السعودية للعلماء المميزين في العالم ودفع الأموال لاستقطابهم لمشاركة نظرائهم السعوديين في إثراء البحث العلمي والوصول إلى نتائج تفيد البشرية فاعتقد أنه يجب أن يصحح هذا المفهوم من قبل جامعاتنا نفسها، وفي نفس الوقت لا اعتقد أن جامعاتنا تسعي جاهدة للرقي في سلّم التصنيفات العالمية -وإن كان هذا حق مشروع- بوضع أسماء هؤلاء فقط -للزينة أو البهرجة- على صدر أبحاثها العلمية. إن الاستثمار الحقيقي هو في العلماء السعوديين ودعمهم ماديًا ومعنويًا حتى تكون جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية في مربأ عن هذه التخرصات، وليس عيبًا أن نستفيد من خبرات الآخرين، ودعوتهم لمشاركتنا في أبحاثنا، وأن يجزل لهم العطاء، كما استفاد الغربيون من إسهامات العلماء المسلمين الأوائل (وبدون مقابل) في غابر الأزمان.