تتميز المجلات العلمية بالرصانة والمصداقية والحيدة والموضوعية لتبنيها نشر البحوث والتقارير العلمية المتميزة المجردة من العنصرية والأهواء بهدف خدمة العلم والرقي بالإنسانية, ممّا يكسبها مكانة علمية عالمية, وعندما تنحرف عن هذا المسار, وتتحكم فيها الأهواء والأغراض والأحقاد, وتنشر هراء لا يستند على حقائق علمية تتحوّل إلى مجلة صفراء, وهذه حال مجلة ساينس الامريكية التي كانت تعد من المجلات العلمية العالمية قبل سقطتها الأخيرة باتهامها بعض الجامعات السعودية بشراء خدمات باحثين عالميين لرفع تصنيفها عالميًا كنوع من الوجاهة دونما دليل, وهي بذلك أساءت إلى نفسها وإلى العلماء الذين تعاقدت معهم الجامعات السعودية وإلى جامعاتهم ومراكزهم البحثية التي ينتمون إليها قبل إساءتها إلى الجامعات السعودية, فالتقرير يقول أنَّ كبار علماء العالم يمكن شراؤهم بالمال, وهذه إهانة كبرى لهم, والأسئلة التي تطرح نفسها هنا: إنْ قبل أولئك العلماء بالصفقة, كيف تقبل كبريات الجامعات والمراكز العلمية البحثية تسجيل الأبحاث التي تُجرى في معاملها ومختبراتها, ومن خلال فرقها العلمية البحثية باسم جامعات أخرى لمجرد عقد بين أحد منسوبيها وتلك الجامعة هو وحده المستفيد منه إن لم يشارك باحثون سعوديون فيها, وتحمّل الجامعات السعودية تكلفة إجرائها, أو المشاركة في تكلفتها؟ وكيف تقبل المجلات العلمية التي تنشرها بذلك؟ وماهي معاييرها للنشر؟ إنّ اتفاقيات الشراكة مع جامعات عالمية, وعلماء عالميين أمر مشروع, ومعمول به في كل جامعات العالم, والجامعات السعودية هدفها الأول والأساس من هذه الاتفاقيات النهوض بالحركة العلمية في المجتمع, والوصول بها إلى العالمية لأنّ نهضة الأمم تقاس بمدى تقدم البحث العلمي لديها, وتحويل نتائجه إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع, وهذا يستلزم الاستفادة من الخبرات العالمية من مختلف البلاد في شتى حقول العلم والمعرفة, مع العمل على تهيئة البيئة الملائمة للبحث العلمي, وبحكم إقامتي في الرياض أستطيع الحكم على جامعة الملك سعود لمتابعتي لتطورها وأنشطتها المختلفة على أرض الواقع, فهي أشبه بخلية نحل من العمل الدؤوب لتوفير البيئة العلمية التي تساعد على البحث العلمي وتطويره, واستقطاب العلماء والباحثين في مختلف التخصصات العلمية, وتبني بحوثهم واختراعاتهم, ويشهد على هذا ما قدمته خلال السنوات الأربع الماضية من مشاريع وخطط لتحقيق هذه الأهداف، فوضعت خطة استراتيجية عشرينية (2010- 2030م) رسالتها: توفير خدمات تعليمية متميزة ،وإنتاج بحوث ابتكارية لخدمة المجتمع، والإسهام في بناء اقتصاد ومجتمع المعرفة من خلال التعليم وتوفير البيئة المعينة على التفكير الإبداعي، والاستغلال الأمثل للتقنية والمشاركة العالمية الفعالة، ولتحقيق هذه الرسالة هدفت إلى الإجادة في كل المجالات، والتميز في مجالات التركيز، وهي الرعاية الصحية, التربية والتعليم, والهندسة(تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, و البتروكيماويات, وتنمية الموارد المائية وتنميتها) والتمويل والتأمين, والإدارة, والتخطيط العمراني, وأعضاء هيئة تدريس متميزون, والكيف وليس الكم, وتعزيز قدرات الخريجين, وبناء جسور التواصل, وبيئة تعليمية دائمة, ومستقبل مستدام, والمرونة والمساءلة, وبناء هيكل تنظيمي داعم, ولتحقيق هذه الأهداف تعاقدت مع ( 35) مركزًا بحثيًا لكبريات الجامعات العالمية الأوربية والأمريكية والكندية والآسيوية لتسهيل مهمات تبادل زيارات أعضاء هيئة التدريس وبعض طلابها بينها وبين الجامعات العالمية العريقة، لتبادل الخبرات والمعلومات، والوقوف على أحدث ما وصل إليه العلم في مجالات تخصصاتهم بهدف رفع كفاءاتهم العلمية, ووضعت عشرين برنامجًا تستهدف منها الارتقاء بالمنظومة الوطنية للعلوم والتقنية إلى مصاف المنظومات العالمية من خلال توطيد العلاقات العلمية والتقنية مع المراكز الرائدة في العالم, واستقطاب الأطر البشرية العلمية والتقنية المتميزة، ودمجها في عملية التطوير بالجامعة, وتحفيز البحث العلمي، وتحقيق نوع من التميز المعرفي في مجالات علمية استراتيجية, ووضع النتائج العلمية في خدمة التنمية، من خلال تشجيع الإبداع وتحويل الاكتشافات العلمية إلى منتجات تُطرح في الأسواق, وما إنشاء وادي الرياض للتقنية, ومعهد الملك عبد الله لتقنية النانو, وغيرهما إلّا لتحقيق هذه الأهداف, ولكن كما يبدو أنَّ هذه الخطوات العملية أقلقت الذين لا يريدون لنا إحراز أي تقدم علمي وتقني, خاصة في مجالات التركيز المتمثلة في التربية والتعليم و التقدم الطبي والتقني والتكنولوجي والتخطيط الإداري وتنمية الموارد البشرية لنكون أمة منتجة لا مستهلِكة فنتحرر من التبعية لهم, فأرادوا تعزيز الصورة النمطية الغربية عنا, واغتيال طموحاتنا, وتشكيكنا في كوادرنا الوطنية المخلصة لوطنها, ومؤسساتنا التعليمية, فيقف الدعم المجتمعي لها ماليًا ومعنويًا, فتتعثر في مسيرتها, وتتوقف عجلات التقدم لديها, ولكن كان الرد قويًا من أبناء الوطن المخلصين؛ إذ تلقت جامعة الملك سعود (25) مليون ريال تبرعا بعد مرور 13 يومًا على مقال مجلة ساينس ليصرف(20) مليون ريال منها لدعم الباحثين السعوديين من منسوبي الجامعة وتحفيزهم على الترجمة والبحث العلمي في مختلف العلوم, و(5) ملايين ريال لتحفز طلبتها على العمل التطوعي, فردُّنا هو أنّ عجلة العمل ستظل دائرة بثبات وبقوة دفع أكبر, ولن تُهزم إرادة أمة اختارت طريق العلم والبحث العلمي.