لا يكاد يمر يوم دون أن يشهد انطلاق قناة فضائية جديدة، وهذا من الناحية النظرية أمر جيد من المفترض أن يؤدي الرسالة الإعلامية التثقيفية والتربوية وتعزيز قيم الانتماء والوحدة والتضامن والمساهمة في التعريف بثقافتنا الإسلامية المتسامحة، في حال وجدت تلك القنوات الكوادر المدربة التي تمتلك الرؤية والمنهجية العملية لترسم هوية القناة أيًا كانت. لكن المشاهد أن تلك القنوات غاب عنها الإعلام كوسيلة لها رسالتها ودورها البارز في البناء المجتمعي، فتعددت القنوات وغابت الرسالة التي تحملها، وأنظروا إلى ما يعكسه الفضاء من برامج لا تسمن ولا تغني من جوع، فما إن اكتشف أصحاب قنوات الفيديو كليب رخص بضاعتهم حتى عدلوا ومعهم من وضع حفنة من المال لاشتراك فضائي يظهر ترززه في «المشلح» تحت دعوى حفظ التراث، هذه الدعوى التي انطلقت لها مئات الفضائيات الغارقة في المناطقية والتي لقيت قبول المشاهد لكل ما يربطه برائحة الطين وصف الجماعة وزملة الميدان. أقول جعلت هذه القنوات عنوانها العريض فضفاضًا كبيرًا وذا مدلول قيمي وثقافي يجذب المشاهد وهو التراث، لكن الواقع هو تحييد التراث على حساب التجارة وإن كانت حقًا مشروعًا إلا أنه لا ينبغي أن تُمارس تحت شعارات حضرت فيها القنوات وغاب عنها الإعلام الحقيقي والهادف، بل تجاوز الأمر إلى الاستجداء والسؤال لإنقاذ القناة من التفليس المالي دون الموضوعي فهي تعلم أنها بدأت البث وهي مفلسة أصلًا. والغريب في الأمر أن هذه القنوات في تزايد مستمر وتبث مغالطات أحيانًا حول التراث الشعبي الذي تدّعي خدمتها له، فهي تقدمه بصورة مشوهة تسيء له أكثر مما تخدمه وتقدمه على غير واقعه الفعلي واختزلته في الألوان الشعبية الغارقة في المناطقية، وتجاوزت ذلك إلى أن جعلت شاشاتها صيدليات مجانية تسوّق الأمراض والوهم، ونصبّت من المسؤولين عنها مصلحين اجتماعيين ومنظرين سياسيين، وكرّست ثقافة المهاترات القبلية بحثًا عن تحريك شريط الشات لتثبت أنها استقطبت المشاهدين كدلالة على قناعتهم بما تقدمه، فتعددت الأشرطة وغاب الهدف فهي تشبه كشكول طالب المرحلة الابتدائية وهو يخط عليه أولى شخبطاته العبثية. تأمل: (من ديوان إيليا أبو ماضي): قال: التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جهنّما قلت: ابتسم وأطرب فلو قارنتها قضّيت عمرك كله متألما!!